هو : أعلم الناس بالفرائض ـ قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «أفرض أمتي زيد بن ثابت» (١).
وقال سليمان بن يسار (٢) :
«ما كان عمر ولا عثمان يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء ، والفتوى ، والفرائض ، والقراءة». عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن :
هو أكثر الصحابة تفسيرا للقرآن ، سماه ابن مسعود : ترجمان القرآن ، وكان يقول : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
تردد ابن عباس كثيرا على بيت النبوة ، إذ فيه خالته «ميمونة» زوج الرسول صلىاللهعليهوسلم. فكانت تؤنسه وتلاطفه ، وكان صلىاللهعليهوسلم ينظر إليه نظرة إعجاب ، وتوسم فيه الخير الكثير ، ودعا له بقوله : اللهم آته الحكمة.
ودعا له صلىاللهعليهوسلم قائلا : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
ورآه جبريل عند الرسول صلىاللهعليهوسلم فأوصاه به وقال : إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا وقد نهل من مأدبة الرسول العلمية والخلقية فهو الذي قال له صلىاللهعليهوسلم :
يا غلام : «إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف» (٣).
ولما توفي الرسول صلىاللهعليهوسلم واصل ابن عباس رحلة العلم ، فتتلمذ على كبار الصحابة ، فكان كثيرا ما يجلس على باب أحدهم وهو قائل ـ أي وقت القيلولة ـ فيتوسد رداءه ، وتسفي عليه الريح التراب ، حتى يخرج الصحابي فيراه فيقول له :
يا ابن عم رسول الله : ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليّ فآتيك؟
فيجيب حبر الأمة : لا ، أنا أحق أن آتيك ، ثم يسأله عما يحتاج إليه من العلم.
وفي خلافة عمر بن الخطاب ظهر نبوغه الشديد فكان عمر يدنيه من مجلسه ، ويعده للمعضلات، وإذا أشكلت عليه قضية دعاه، فقال له : أنت لها ولأمثالها ، ثم يأخذ بقوله ، ولا يدعو لذلك أحدا(٤).
وأحب عمر فيه ـ مع علمه ـ جرأته رغم حداثة سنه. قال عمر يوما لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : فيمن ترون نزلت هذه الآية (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ...) الآية؟ قالوا : الله أعلم. فغضب عمر وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم.
__________________
(١) الاستيعاب ٢ / ٢٣ ، صفة الصفوة ١ / ٢٩٥.
(٢) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٢٢٥.
(٣) رواه الإمام أحمد والترمذي.
(٤) أسد الغابة ٣ / ١٩٣.