بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة النّساء
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
هذه السورة مدنية ، إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح ، في عثمان بن طلحة وهي قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] قال النقاش : وقيل نزلت السورة عند هجرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة المنورة.
قال القاضي أبو محمد : وقد قال بعض الناس : إن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) حيث وقع إنما هو مكي فيشبه أن يكون صدر هذه السورة مكيا ، وما نزل بعد الهجرة فإنما هو مدني وإن نزل في مكة أو في سفر من أسفار النبي عليهالسلام ، وقال النحاس : هذه السورة مكية.
قال القاضي أبو محمد : ولا خلاف أن فيها ما نزل بالمدينة ، وفي البخاري : آخر آية نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ذكرها في تفسير سورة ـ براءة ـ من رواية البراء بن عازب ، وفي البخاري عن عائشة أنها قالت : ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، تعني قد بنى بها.
قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١)
«يا» حرف نداء ، و «أي» منادى مفرد ـ و «ها» تنبيه ، و (النَّاسُ) ـ نعت لأي أو صلة على مذهب أبي الحسن الأخفش ، «والرب» : المالك ، وفي الآية تنبيه على الصانع وعلى افتتاح الوجود ، وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب وإن بعد ، وقال : (واحِدَةٍ) على تأنيث لفظ النفس ، وهذا كقول الشاعر : [الوافر]
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
وأنت خليفة ذاك الكمال |
وقرأ ابن أبي عبلة ـ «من نفس واحد» ـ بغير هاء ، وهذا على مراعاة المعنى ، إذ المراد بالنفس آدم صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما ، والخلق في الآية : بمعنى الاختراع ، ويعني بقوله :