كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٧)
هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعد الله نعمه عليهم ، و (مَواطِنَ) جمع موطن بكسر الطاء ، والموطن موضع الإقامة أو الحلول لأنه أول الإقامة ، و «المواطن» المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة ، ولم يصرف (مَواطِنَ) لأنه جمع ونهاية جمع ، (وَيَوْمَ) عطف على موضع قوله (فِي مَواطِنَ) أو على لفظة بتقدير وفي يوم ، فانحذف حرف الخفض ، و (حُنَيْنٍ) واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز وصرف حين أريد به الموضع والمكان ، ولو أريد به البقعة لم يصرف كما قال الشاعر [حسان رضي الله عنه] : [الكامل]
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره |
|
بحنين يوم تواكل الأبطال |
وقوله (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال حين رأى حملته اثني عشر ألفا قال : لن نغلب اليوم من قلة ، وروي أن رجلا من أصحابه قالها فأراد الله إظهار العجز فظهر حين فر الناس ، ثم عطف القدر بنصره ، وقوله (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي بقدر ما هي رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها ، ف «ما» مصدرية ، وقوله (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) يريد فرار الناس عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال القاضي أبو محمد : واختصار هذه القصة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليه ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفا سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن وألفافها وعليهم مالك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا فخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى اجتمعوا بحنين ، فلما تصافّ الناس حمل المشركون من مجاني الوادي ، فانهزم المسلمون ، قال قتادة : ويقال إن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بغلة شهباء ، وقال أبو عبد الرحمن الفهري : كنت مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، يومئذ وكان على فرس قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وبين يديه أيمن بن أم أيمن ، وثم قتل رحمهالله ، فلما رأى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض ، قاله البراء بن عازب ، واستنصر الله عزوجل فأخذ قبضة من تراب وحصى فرمى بها وجوه الكفار ، وقال : شاهت الوجوه ، وقال عبد الرحمن : تطاول من فرسه فأخذ قبضة التراب ونزلت الملائكة لنصره ونادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا للأنصار ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة ، فرجع الناس عنقا واحدا وانهزم المشركون ، قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا لم يبق منا أحد إلا دخل في عينيه من ذلك التراب ، واستيعاب هذه القصة في كتاب السير.