وظاهر كلام النحاس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان في أربعة عشر ألفا ، وهذا غلط ، و (مُدْبِرِينَ) نصب على الحال المؤكدة كقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة : ٩١] والمؤكدة هي التي يدل ما قبلها عليها كدلالة التولي على الأدبار ، وقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) الآية ، (ثُمَ) هاهنا على بابها من الترتيب ، و «السكينة» النصر الذي سكنت إليه ومعه النفوس والحال ، والإشارة بالمؤمنين إلى الأنصار على ما روي ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نادى في ذلك اليوم يا معشر الأنصار ، فانصرفوا وهم ردوا الهزيمة ، و «الجنود» الملائكة ، و «الرعب» قال أبو حاجز يزيد بن عامر : كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب ، «وعذاب الذين كفروا» هو القتل الذي استحرّ فيهم والأسر الذي تمكن في ذراريهم ، وكان مالك بن عوف النصري قد أخرج الناس بالعيال والذراري ليقاتلوا عليها ، فخطأه في ذلك دريد بن الصمة ، وقال لمالك بن عوف راعي ضأن وهل يرد المنهزم شيء؟ وفي ذلك اليوم قتل دريد بن الصمة القتلة المشهورة ، قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي ، ويقال ابن الدغنة وقوله (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) إعلام بأن من أسلم وتاب من الكفار الذين نجوا ذلك اليوم فإنهم مقبولون مسلمون موعودون بالغفران والرحمة.
قوله عزوجل :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٢٨)
قال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما : صفة المشرك بالنجس إنما كانت لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل ، وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي كنجاسة الخمر ، قال الحسن البصري : من صافح مشركا فليتوضأ.
قال القاضي أبو محمد : فمن قال بسبب الجنابة أوجب الغسل على من يسلم من المشركين ، ومن قال بالقول الآخر لم يوجب الغسل ، والمذهب كله على القول بإيجاب الغسل إلا ابن عبد الحكم فإنه قال : ليس بواجب ، وقرأ أبو حيوة «نجس» بكسر النون وسكون الجيم ، ونص الله تعالى في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام ، فقاس مالك رحمهالله غيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين ، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وكذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور : ٣٦] ، وقال الشافعي هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام ، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد ، ومن حجته حديث ربط ثمامة بن أثال ، وقال أبو حنيفة هي خاصة في عبدة الأوثان وفي المسجد الحرام ، فأباح دخول اليهود والنصارى في المسجد الحرام وغيره ، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد ، وقال عطاء : وصف المسجد بالحرام ومنع القرب يقتضي منعهم من جميع الحرم.