وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٣)
(بَراءَةٌ) رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه الآيات براءة ، ويصح أن ترتفع بالابتداء والخبر في قوله : (إِلَى الَّذِينَ) وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة فتعرفت تعريفا ما ، وجاز الإخبار عنها ، وقرأ عيسى بن عمر «براءة» بالنصب على تقدير التزموا براءة ففيها معنى الإغراء ، و (بَراءَةٌ) معناها تخلص وتبرؤ من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض ، تقول برئت إليك من كذا ، فبرىء الله تعالى ورسوله بهذه الآية إلى الكفار من تلك العهود التي كانت ونقضها الكفار ، وقرأ أهل نجران «من الله» بكسر النون من «من» ، وهذه الآية حكم من الله عزوجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم أو تحسس من جهتهم نقض ، ولما كان عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لازما لأمته حسن أن يقول (عاهَدْتُمْ) قال ابن إسحاق وغيره من العلماء : كانت العرب قد وافقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهدا عاما على أن لا يصد أحد عن البيت الحرام ونحو ذلك من الموادعات ، فنقض ذلك بهذه الآية وأجل لجميعهم أربعة أشهر ، فمن كان له مع النبي صلىاللهعليهوسلم عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة الأشهر بلغ به تمامها ، ومن كان أمده أكثر من أربعة أشهر أتم له عهده ، إلا إن كان ممن تحسس منه نقض فإنه قصر على أربعة أشهر ، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة الأشهر «يسيح فيها» في الأرض أي يذهب مسرحا آمنا كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط ومنه قول طرفة بن العبد : [السريع]
لو خفت هذا منك ما نلتني |
|
حتى نرى خيلا أمامي تسيح |
وهذا ينبىء عن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم استشعر من الكفار نقضا وتربصا به إلا من الطائفة المستثناة ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : أول الأشهر الأربعة شوال وحينئذ نزلت الآية ، وانقضاؤها عند انسلاخ الأشهر الحرم وهو انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين يوما فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم نزول الآية ، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان.
قال القاضي أبو محمد : اعترض هذا بأن الأجل لا يلزم إلا من يوم سمع ويحتمل أن البراءة قد كانت سمعت من أول شوال ، ثم كرر إشهارها مع الأذان يوم الحج الأكبر ، وقال السدي وغيره : بل أولها يوم الأذان وآخرها العشر من ربيع الآخر ، وهي الحرم استعير لها الاسم بهذه الحرمة والأمن الخاص الذي رسمه الله وألزمه فيها ، وهي أجل الجميع ممن له عهد وتحسس منه نقض وممن لا عهد له ، وقال الضحاك وغيره من العلماء : كان من العرب من لا عهد بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم جملة ، وكان منهم من بينه وبينهم عهد وتحسس منهم النقض وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا ، فقوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) هو أجل ضربه لمن كان بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقضه ، وأول هذا الأجل