يوم الأذان وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر ، وقوله (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ، هو حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة ، فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم ، وقوله (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) ، يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض ، وهم فيما روي بنو ضمرة من كنانة عاهد لهم المخش بن خويلد وكان تبقى من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر : وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : إنما أجل الله أربعة أشهر من كان عهده ينصرم عند انقضائها أو قبله ، والمعنى فقل لهم يا محمد سيحوا ، وأما من كان له عهد يتمادى بعد الأربعة الأشهر فهم الذين أمر الله لهم بالوفاء ، وقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) ، معناه واعلموا أنكم لا تفلتون الله ولا تعجزونه هربا من عقابه ، ثم أعلمهم بحكمه بخزي الكافرين ، وذلك حتم إما في الدنيا وإما في الآخرة. وقوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) الآية ، (وَأَذانٌ) معناه إعلام وإشهار ، و (النَّاسِ) هاهنا عام في جميع الخلق ، و (يَوْمَ) منصوب على الظرف والعامل فيه (أَذانٌ) وإن كان قد وصف فإن رائحة الفعل باقية ، وهي عاملة في الظروف ، وقيل لا يجوز ذلك إذ قد وصف المصدر فزالت عنه قوة الفعل ، ويصح أن يعمل فيه فعل مضمر تقتضيه الألفاظ ، وقيل العامل فيه صفة الأذان وقيل العامل فيه (مُخْزِي).
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد ، و (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قال عمر وابن عمر وابن المسيب وغيرهم : هو يوم عرفة ، وقال به علي ، وروي عنه أيضا أنه يوم النحر ، وروي ذلك عن أبي هريرة وجماعة غيرهم ، وروي ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال منذر بن سعيد وغيره : كان الناس يوم عرفة مفترقين إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة وكان الجمع يوم النحر بمنى ، فلذلك كانوا يسمونه الحج الأكبر أي من الأصغر الذي هم فيه مفترقون.
قال القاضي أبو محمد : وهذا زال في حجة أبي بكر لأنه لم يقف أحد بالمزدلفة ، وقد ذكر المهدوي أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر ، والذي تظاهرت به الأحاديث في هذا المعنى أن عليا رضي الله عنه أذن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ، ثم رأى أنه لم يعلم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر ، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر من يعينه بالأذان بها كأبي هريرة وغيره ، وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذي المجاز وغيره ، فمن هنا يترجح قول سفيان إن (يَوْمَ) في هذه الآية بمعنى أيام ، بسبب ذلك قالت طائفة (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) عرفة حيث وقع أول الأذان وقالت طائفة أخرى : هو يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان ، واحتجوا أيضا بأنه من فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر ، فليس يوم عرفة على هذا يوم الحج الأكبر.
قال القاضي أبو محمد : ولا حجة في هذا ، وقال سفيان بن عيينة : المراد أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل يريد جميع أيامه ، وقال مجاهد (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) أيام منى كلها ، ومجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز وعكاظ حين نودي فيهم ألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كما قال عثمان لعمر حين عرض عليه زواج حفصة : إني قد رأيت ألا