ولسنا في حاجة لتحليل النصّ وتأويله مفصّلاً ; لأنّ أيّ تفسير له سيكون أدنى من مرتبة بلاغته ، وبالتالي يُفقده بعضاً من فرادة معانيه وخصوبتها ، لكنّ أيسرَ فهم يمكن أن يُقال بصدده يتلخّص في أنّه : كان من نتيجة ذلك السلوك النبويّ الزاهد المتقشّف أن حاز الأنبياء على رضىً إلهيّ دنيويّ ; إذ اختيروا ليكونوا أصحابَ رسالات يُبشّرون ويُنذِرون ، واقتدت الإنسانيةُ بالتعاليم التي جاؤوا بها من السماء ، ونالوا احتراماً بشريّاً طويل الأمد والمدى ، وفازوا بالتالي بمكانة رفيعة يوم القيامة ، ارتضاها الله لهم ، وارتضوها هم لأنفسهم.\'
وبهذا الأُسلوب ، القريب المأخذ ـ وإن شابته بعض الألفاظ الغريبة ـ الرصين الصياغة ، العميق الدلالة ، الواضح العبر ، صار سهلاً على دعوات الزهد المبثوثة في نهج البلاغة أن تنال حظوة التلقّي والاستقبال ، بصرف النظر عن اختلاف مستويات المتلقّين المسلمين وتباين ثقافاتهم.
وبرز في زهديّات نهج البلاغة طابع الحزن والتأسّف والتحسّر على انبهار البشر وغرورهم بهذا العالم الفاني ، وطغت أمارات التأسّف وعلاماتُه
____________
الخميص : خالي البطن ; كناية عن عدم التمتّع بالدنيا.
العَقِب : مؤخّر القدم ; ووطء العَقِب مبالغة في الاتّباع والسلوك على طريقه : نقفوه خطوة خطوة كأنّنا نطأ مؤخّر قدمه.
شفيف : رقيق ، مَن يُسْتَشَفُّ ما وراءه.
الصِفاق : الجلد الباطن ، الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.
تشذّب اللحم : تفرُّقُه.
السفائف : جمع سفيفة ، وصف من : سفّ الخوص ، إذا نسجه ; أي : منسوجات الخوص.
ظلاله : جمع ظلّ ، بمعنى الكِنّ والمأوى ، ومن كان كنّه المشرق والمغرب فلا كِنّ له.