أبْرَمَ لكم ، إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حُمِّل من أمر ربّه : الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسُنّة ، وإقامةُ الحدود على مستحقّيها ...
فبادروا العلم من قبل تصويحِ نَبْتِهِ ، ومن قبل أن تُشغَلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله ، وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه ; فإنّما أُمِرْتُم بالنهي بعد التناهي!» (١).
ففي هذين المقامين تفيض الخطابة الزهديّة المباشرة بعبارات الإشفاق ، وبمعاني التعاطف مع الأفراد ، على الرغم من كثرة رمي اللوم عليهم في مواضع قوليّة أُخرى. وظهر الإمام عليّ (عليه السلام) يحمل صفة حكيم الزهادة ومعلِّمها ، الذي يثير في نفوس تلامذته الرغبة الدائمة في معرفة العلم الذي يلامس مصيرهم ، ويتعلّق بجوهر عقيدتهم.
إنّ استقراء الدعوات الزهديّة في نهج البلاغة يوحي إلى حياة الغُربة الدنيويّة التي كان يحياها الإمام عليّ (عليه السلام) ، والتي كان مبعثها في نفسه فقدُ الأحـبَّة : الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفاطمة الزهـراء (عليها السلام) ، وأصحابه المخلصين ، ثمّ في المعاناة الفائقة التي لازمته بعد تولّيه الخلافة ، والناتجة عن صعوبة
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٧ / ١٦٧ ..
شفا جرف هار : شفا الشيء : حرفه ، والجُرُف : ما تجرفه السيول ، والهاري : المتهدِّم أو المشرف على الانهدام.
الردى : الهلاك.
يُشكي : من : أشكاه ، إذا أزال شكواه.
الشجو : الحاجة.
التصويح : التجفيف ; وأصله : صوّح النبت ، إذا جفّ أعلاه.
مستثار : الاستثارة : طلب الثور ; وهو : السطوع والظهور.