قيادة الناس إلى الحقّ والتقوى والصلاح ، وتردّدهم في الجهاد ، وميلهم إلى التقاعس وحبّ الحياة ، مع كبير معرفتهم بصواب منهجه ، وصدق دعواته ..
«أين إخواني الّذين ركبوا الطريقَ ، ومضوا على الحقّ؟!
أين عمّار؟! وأين ابن التيِهان؟! وأين ذو الشهادتين؟!
وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة ، وأُبْرِدَ برؤوسهم إلى الفَجَرة؟!
أوهِ على إخواني الّذين قرؤوا القرآن فأحكَمُوه ، وتدبّروا الفرضَ فأقاموه! أحْيَوا السنّةَ وأماتوا البِدعَة ، دُعُوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتَّبَـعوه» (١).
ونَمَت صورة الغربة الأُخرويّة في زهديّات نهج البلاغة ، واتّضحت في أنماط صورة الحـزن الخائف ، الذي يجعل الدنيا مُنكِرَة لوجـود المرء ، لا تأبه لخروجه منها ، ولا تقف لتوديعه حين يموت ، في حين يجد الميّت كمّاً هائلاً من البشر سـبقوه إلى المقابـر ، يحيطون به ، لكنّهم ـ هم أيضاً ـ لا يأبهون لقدومه ، ولا يقفون إلى جانبه ..
وهو وصف يكشف عن أنّ الفرد يخرج من الدنيا غريباً بلا مودِّع ، بلا عزّ ، ولا جاه ، ولا مال ولا بنين ، ويلتحق بالأموات غريباً بدون مستقبل ،
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٠ / ٩٩ ..
عمّار : يعني عمّار بن ياسر.
ابن التيِّهان : أحد النقباء ليلة العقبة ، شهد بدراً ، وهو من أكابر الصحابة.
ذو الشهادتين : هو خزيمة بن ثابت الأنصاري ، قَبِل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادته بشهادة رجلين في قصّـة مشهورة.
أُبْرِدَ برؤوسِهم : أي أُرسلت مع البريد بعد قتلهم.
أوه : كلمة توجّع.