وضَعْ فَخْرَك ، واحطُطْ كِبْرَك ، واذكُرْ قَبْرَكْ ; فإنّ عليه ممرّك. وكما تدِينُ تُدانُ ، وكما تزرعُ تحصُدُ ، وما قدّمتَ اليومَ تَقْدِم عليه غداً ، فامْهَدْ لِقَدَمِكَ ، وقَدِّمْ ليومك.
فالحذرَ الحذر أيُّها المُسْتَمْتِعُ! والجِدَّ الجِدَّ أيّها الغافل ; (ولا يُنْبِّئُكَ مِثْلُ خَبير) (١)» (٢) ..
«فطوبى لذي قَلْب سليم ، أطاعَ مَنْ يهديِه ، وتجّنبَ مَن يُرْدِيه ، وأصاب سبيلَ السلامةِ مَنْ بَصَّرَه ، وطاعةِ هاد أمَرَه ، وبادَرَ الهدى قبل أن تُغْلَقَ أبوابُه ، وتُقطَّعُ أسبابُه ، واستفتحَ التوبةَ ، وأماطَ الحَوبةَ ، فقد أُقيمَ على الطريقِ ، وهُدِيَ نهجَ السبيل» (٣).
ويأتي بثُّ مجموعة من البديهيّات الدينيّة المتوافقة مع السلوك العبادي ، والمنهج الديني ، مثل : التوكّل على الله عزّ وجلّ توكّلاً صادقاً ، والرجاء لرحمته الواسعة ، والقناعة والرضا بما قسمهُ جلّ وعلا ; متساوقاً تمام التساوق مع أنماط المضامين الزاهدة المبثوثة في كتاب نهج البلاغة.
فالقناعة ، هنا ، قائمة على فلسفة إيمانيّة ، أساسها رفض الدنيا الدنيّة ، وعمودها إيمان مطلق بما في يد الله تعالى ; إذ «لا يكون المؤمنُ مؤمناً حتّى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده» (٤) ..
وذلك لأنَّ «الدنيا دارٌ مُنِيَ لها الفَناءُ ، ولأهِلها منها الجلاء ، وهي حُلوةٌ
____________
(١) سورة فاطر ٣٥ : ١٤.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٨ / ١٥٨ ..
امهد : ابسط.
(٣) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٦٥ ـ ٦٦ ..
الحَوبة : الإثم ، وإماطتها : ثنيها.
(٤) مروج الذهب ومعادن الجوهر ١ / ٦١٥.