خَضِـرة ، وقد عَجِلَتْ للطالب ، والتَبَسَتْ بقلبِ الناظر ; فارتَحلوا منها بأحْسَنِ ما بحضرِتكم من الزاد ، ولا تسألوا فيها فرقَ الكَفاف ، ولا تطلُبوا منها أكثر من البلاغ» (١).
فالتجلّي الملموس في جملة الأداءات المضمونية الزاهدة التي عرضناها يتيح للمتلقّي الوقوف على نمط النموذج الإنساني الذي يتمنّاه نهج البلاغة ، وهو نموذج لا يرضى أن تتساوى الحياة مع الموت في عمله وعقله وشـعوره ، بل إنّه لا ينظر إلى أهمّية الحياة ، ولا يضع لها قيمة دون أن تكون سبيلاً يمكّن الإنسانَ الفوزَ بمقعد محترم في الحياة التي تليها.
* * *
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ١٥٢ ..
مُنَي لها الفناء : قُدِّر لها.
الجلاء : الخروج من الأوطان.
التبست بقلب الناظر : اختلطت به محبّةً.
الكفاف : ما يمنعك من سؤال غيرك ; وهو : مقدار القوت.
البلاغ : ما يُتبلّغ به ; أي : يُقتاتُ به مدّة الحياة.