الثالث : إنّ للمجتهد التمسّك باجتهاداته في الأُصول التشريعية في كتاب الله ، والاقتصار عليها ، ونبذ الأحكام التشريعية النبوية ; ما دامت محتملة لكونها اجتهادات ، ومعرضاً للظنون ، لا الوحي الإلهي!!
وهذه الموارد ، مع الطعن عليها بالوضع ; لكذب مواقيت الأحداث المستعرضَة في رواياتها ، وتناقضها مع مسلّمات السيرة ، ومفاد الآيات ، كما سيأتي بيان نبذة من ذلك ; تنطوي وتبتني ـ كما أسلفنا ـ على مذاهب اعتقادية في عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحجّية قول وفعل الأوّل والثاني في عرض حجّية قول وفعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في دائرة التشريع وسنن الأحكام.
فالحريّ بالبحث هو التعرّض لزيغ تلك المتبنّيات أوّلاً ، ثمّ بيان زيف رسم تلك الوقائع المزعومة ..
إحداث سُنّة جماعة الخلافة لمقولة اجتهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) :
لقد عنون الجصّاص (ت ٣٧٠ هـ) في كتابه الفصول باباً بـ : «القول في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هل كان يسنّ من طريق الاجتهاد؟» ، وهذا العنوان بنفسه يحمل في مضمونه باب جواز الردّ والمخالفة لسنن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إنكار هداية الوحي فيها ..
قال : اختلف الناس في ذلك ; فقال قائلون : لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم في شيء من أمر الدين إلاّ من طريق الوحي ; لقوله تعالى : (وما ينطِقُ عن الهوى * إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) (١).
وقال آخرون : جائز أن يكون النبيّ (عليه السلام) قد جُعل له أن يقول من طريق الاجتهاد في ما لا نصّ فيه.
____________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤.