وقال آخرون : جائز أن يكون بعض سُـنّته وحياً ، وبعضها إلهاماً ، وشيء يُلقى في روعه ، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إن ّ الروح الأمين نفث في روعي : أنّ نفساً لن تموت حتّى تستوفي رزقها ، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب». ويجوز أن يكون بعض ما يقوله نظراً واستدلالا ، وتردّ الحوادث التي لا نصّ فيها إلى نظائرها من النصوص باجتهاد الرأي ..
وهذا هو الصحيح عندنا.
والدليل على أنّه قد كان جُعل له أن يقول من طريق الاجتهاد : قوله تعالى : (ولو رَدّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لَعَلِمَه الّذين يستنبطونَه منهم) (١) ، عمومه يقتضي جواز الاستنباط من جماعة المردود إليهم ، وفيهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويدلّ عليه أيضاً : قوله تعالى : (فاعتبروا يا أُولي الأبصار) (٢) ، والنبيّ من أجلّهم.
ويدلّ عليه : ما حكى الله تعالى من قصّة داود وسليمان (عليهما السلام) ، ثمّ قال : (ففهّمْناها سليمانَ وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) (٣) ، وظاهره يدلّ على أنّ حكمهما كان من طريق الاجتهاد ; لأنّهما لو حـكما من طريق النصّ لَما خصّ سليمان بالفهم فيها دون داود (عليهما السلام).
ويدلّ عليه أيضاً : أنّ درجة المستنبطين أفضل درجات العلوم ، ألاّ ترى أنّ المستنبِط أعلى درجة من الحافظ غير المستنبِط؟! فلم يكن الله
____________
(١) سورة النساء ٤ : ٨٣.
(٢) سورة الحشر ٥٩ : ٢.
(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٧٩.