والآية هذه تتناغم وتتماثل مع الآية في سورة النساء : أنّ الهداية والرشد والإيمان هو في اتّباع تدبير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو يوافق رأىّ الأُمّة في جملة الموارد لوقع المسلمون في العنت والمشقّة.
وهي تدلّل على أنّ مشورة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن كان معه وحوله ليس لأجل استبانة حقيقة الحال ، وإنّما لشدّهم إلى التفاعل والمساهمة في القيام بالمسؤولية ، وتربيتهم على الأخذ بنهج المشورة ونبذ الاستبداد بالرأي في ممارساتهم ، وهو نهج علمي بنّاء ..
وهي تدلّ أيضاً على أنّ سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ جوانبها إيمان ورشد ، ولا تخطئ الواقع أو الكمال في الفضل والنعمة.
والاستنباط في أصل الوضع اللغوي من : «النبـط» ، وهو : الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حُفرت. وأنبطنا الماء : أي استنبطناه وانتهينا إليه ، واستنبطه واستنبط منه علماً وخبراً ومالاً : استخرجه ، والاستنباط : الاستخراج ، ويستنبطونه : يستخرجونه (١) ; فالأصل فيه : استخراج حقيقة وعين الشيء والماء ، وهو لا ينطبق إلاّ على من يصل إلى حقيقة الأُمور والأشياء ، لا مَن تنكشف له ظواهر الأشياء بنحو محتمل لكلّ من الصواب والخطأ ، أي بإدراك ظنّي.
وأمّا «أُولو الأمر» : فليس المراد من هذا العنوان كلّ حاكم يلي أُمور المسلمين من الولاة ، بل المراد منهم هو المراد من قوله تعالى في سورة النساء أيضاً ، في الآيات السابقة لهذه الآية : (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم) (٢).
____________
(١) راجع : لسان العرب : مادّة «نـبـط».
(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.