فلا يمكن المقارنة بين حافظ الألفاظ وبين مَن تكون الأشياء حاضرة لديه ، كما لا يمكن المقارنة بين العالم بالأشياء والحقائق حضوراً وبين من يطلب بفكره الوصول إلى صورة معانيها ، التي قد تطابق حقائقها وقد تخطئها.
وكيف يتخيّل هذا القائل أنّ الوحي الإلهي عبارة عن مجرّد سماع أصوات ، وقد قال تعالى : (وما أنزلنا عليك الكتابَ إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمةً لقوم يؤمنون) (١)؟!
فما من اختلاف يقع في هذه الأُمّة إلاّ وبيان حكمه لدى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالنزول الوحياني لحقائق الكتاب عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نظير : قوله تعالى : (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً) (٢) ..
وقوله تعالى : (وأنزلنا إليكَ الذِكْرَ لتبيّنَ للناسِ ما نُزّلَ إليهم) (٣).
وتضاحل علم هؤلاء وحسبوا الكتاب الذي أُوحي إلى الرسول هو مجرّد ألفاظ ظاهر التنزيل ، ولم يهتدوا إلى قوله تعالى : (إنّه لقرآنٌ كريمٌ * في كتاب مكنون * لا يَمَسُّـهُ إلاّ المُطَّهرونَ) (٤) ..
وقوله تعالى : (بل هُوَ قرآنٌ مجيدٌ * في لَوْح مَحْفوظ) (٥) ..
وقوله تعالى : (ونزّلْنا عليك الكتابَ تِبْياناً لكلّ شيء وهُدىً
____________
(١) سورة النحل ١٦ : ٦٤.
(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.
(٣) سورة النحل ١٦ : ٤٤.
(٤) سورة الواقعة ٥٦ : ٧٧ ـ ٧٩.
(٥) سورة البروج ٨٥ : ٢١ و ٢٢.