يجهزوا علينا (١) ..
ففيه : إنّ كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) صريح في كون ما أراده من الصلح هو لأجل التخفيف عن أهل المدينة ، وإزالة الحصار عن الأوس والخزرج ، وأراد امتحان عزيمة الأنصار ، ولذلك أطلع السعدين بذلك ، فلمّا رأى ثبات عزيمتهم ورباطة جأشهم استوثق من صبرهم ومجالدتهم ، فأوقف عملية التعاقد على الصلح.
ومن أجل أنّ مشاورته (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم تربيةً منه لهم ، قال تعالى في آخر الآية : (فإذا عزمْتَ فتوكّلْ على الله) ، فأسند تعالى العزم إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة دونهم ، ثمّ رتّب توكّله على الله تعريضاً بعدم اكتراثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمخالفتهم ; إذ يرى (صلى الله عليه وآله وسلم) بإراءة الله تعالى له الصواب في خلاف مرادهم.
ويشير إلى ذلك أيضاً : قوله تعالى : (واعلموا أنّ فيكم رسول الله لو يطيعُكم في كثير من الأمر لعنتّم ولكنّ الله حبّبَ إليكمُ الإيمانَ وزيّـنهُ في قلوبكم وكرّهَ إليكم الكفرَ والفسـوقَ والعصيان أُولئك هم الراشـدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) ; فها هو قوله تعالى ينبئ بأنّ رأيهم يوقعهم في العنت والمشقّة ، وأنّ شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمر بمقام وبوصف حمله لرسالة الله تعالى مُسـدّد من قبَلِه تعالى.
القصور في معرفة الرسول قصور في معرفة حاكمية الله تعالى :
ولا استغراب في تقصيرهم في معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فإنّها راجعة إلى تقصيرهم في معرفة حاكمية الله تعالى ; فهم يقصرون حاكميّته على التشريع والتشريعات الكلّيّة ، دون أن يتصوّروا أنّ لله تعالى حاكميّة
____________
(١) السيرة النبوّية ـ لابن هشام ـ ٢ / ٢٢٣.