وقد رووا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال بعد نزول الآية : «أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأُمّتي ، مَن استشار منهم لم يُعدم رشـداً ، ومَن تركها لم يُعدم غيّاً» (١) ..
ومفاد الحديث جامع في المعنى ، وما تقدّم كالشرح له.
وأمّا استشهادهم بما أراده (صلى الله عليه وآله وسلم) من إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة عندما أراد أن يوقّع الصلح مع عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، على أن يرجعا بمَن معهما عنه وعن أصحابه في معركة الأحزاب ـ الخندق ـ وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما ، فقالا : يا رسول الله! أمراً نحبّه فنصنعه ، أم شيئاً أمرك الله به لا بُدّ لنا من العمل به ، أم شيئاً تصنعه لنا؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كلّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما.
فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله! قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلاّ قرىً أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له ، وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟! والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلاّ السيف ، حتّى يحكم الله بيننا وبينهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأنت وذلك.
فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، ثمّ قال :
____________
(١) الشورى بين النظرية والتطبيق : ٢٧ ـ ٣٠.