تكون السكينة شيئا فيه وكذا البقيّة ، ويجوز أن يكون التابوت في نفسه سكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، والأصل في آل أهل.
(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٢٤٩)
قرأ حميد بن قيس إنّ الله مبتليكم بنهر بإسكان الهاء. وهي لغة ، إلّا أن الكوفيين يقولون : ما كان ثانيه أو ثالثه حرفا من حروف الحلق كان لك أن تسكّنه وأن تحرّكه نحو نهز وسمع ولحم فأما البصريون فيتبعون في هذا اللغة السماع من العرب ولا يتجاوزون ذلك. (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) «من» في موضع نصب بالاستثناء واختار أبو عبيد : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) (١) بضم الغين قال : لأنه لم يقل : غرف وإنما هو الماء بعينه.
قال أبو جعفر : الفتح في هذا أولى لأن الغرفة بالضم هي ملء الشيء يقع للقليل والكثير والغرفة بالفتح المرة الواحدة وسياق الكلام يدلّ على القليل فالفتح أشبه. فأما قول أبي عبيد أنه اختاره لأنه لم يقل : غرف فمردود لأن غرف واغترف بمعنى احد. (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) استثناء. (فَلَمَّا جاوَزَهُ) الهاء تعود على النهر «وهو» توكيد «والذين» في موضع رفع عطف على المضمر في جاوزه ويقبح أن تعطف على المضمر المرفوع حتى تؤكّده لأنه لا علامة له فكأنك عطفت على بعض الفعل فإذا وكّد به والتوكيد هو الموكّد فكأنك جئت به منفصلا. (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ) طاقة وطوق اسمان بمعنى الإطاقة. (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) لو حذفت من لكان الاختيار الخفض لأنه خبر.
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١)
(وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) قيل : من ذلك منطق الطير وعمل الدروع. ولو لا دفاع الله الناس بعضهم ببعض (٢) اسم «الله» تعالى في موضع رفع بالفعل لو لا أن يدفع
__________________
(١) هذه قراءة الكوفيين وابن عامر ، انظر تيسير الداني ٦٩.
(٢) هذه قراءة نافع ويعقوب وسهل ، انظر تيسير الداني ٦٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٦٩.