أنك حذفت الياء لأن قبلها ما يدلّ عليها وإذا خفّفت الهمزة لم يجز أن تأتي بواو بعد كسرة والابتداء أؤتمن وقرأ أبو عبد الرّحمن ولا يكتموا الشهادة جعله نهيا لغيب. (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) فيه وجوه إن أنت رفعت آثما على أنه خبر «إن» و «قلبه» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، وإن شئت رفعت آثما على الابتداء وقلبه فاعل وهما في موضع خبر «إنّ» وإن شئت رفعت آثما على أنه خبر الابتداء ينوى به التأخير ، وإن شئت كان قلبه بدلا من آثم كما تقول : هو قلب الآثم وإن شئت كان بدلا من المضمر الذي في آثم وأجاز أبو حاتم «فإنه آثم قلبه» قال : كما تقول : هو آثم قلب الإثم. قال : ومثله : أنت عربيّ قلبا على المصدر. قال : أبو جعفر : وقد خطّئ أبو حاتم في هذا لأن قلبه معرفة ولا يجوز ما قال في المعرفة ، لا يقال : أنت عربيّ قلبه.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٨٤)
(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) شرط. (أَوْ تُخْفُوهُ) عطف عليه ، (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) جواب الشرط ، (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (١) عطف على الجواب. قال سيبويه (٢) : وبلغنا أنّ بعضهم قرأ (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (٣). قال أبو جعفر : هذه القراءة مروية عن ابن عباس والأعرج وهي عند البصريين على إضمار «أن» ، وحقيقته أنه عطف على المعنى والعطف على اللفظ أجود كما قال : [الطويل]
٦٨ ـ ومتى مايع منك كلاما |
|
يتكلّم فيجبك بعقل (٤) |
وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع ، وابن محيصن (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (٥) قطعه من الأول وروي عن طلحة بن مصرّف يحاسبكم به الله يغفر لمن يشاء (٦) بغير فاء على البدل وأجود من الجزم لو كان بلا فاء الرفع حتى يكون في موضع الحال كما قال : [الطويل]
٦٩ ـ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد (٧) |
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٢ / ٣٧٦.
(٢) انظر الكتاب ٣ / ١٠٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٢ / ٣٧٦ ، وهي قراءة أبي حيوة أيضا.
(٤) لم أجده في الشواهد اللغوية.
(٥) انظر البحر المحيط ٢ / ٣٧٦.
(٦) انظر المحتسب ١ / ١٤٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٦١.
(٧) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ٥١ ، وإصلاح المنطق ص ١٩٨ ، والأغاني ٢ / ١٦٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ٧٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٥ ، ولسان العرب (عشا) ومجالس ثعلب ص ٤٦٧ ، والمقاصد النحوية ـ