يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣)
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) هذا المعنى أحد ثلاثة ولا يجوز فيه التنوين فإن قلت : ثالث اثنين جاز التنوين. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (من) زائدة ويجوز في غير القرآن إلا إلها واحدا على الاستثناء ، وأجاز الكسائي (١) الخفض على البدل وذلك خطأ عند الفراء (٢) والبصريين لأن «من» لا تدخل في الإيجاب.
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٧٦)
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ابتداء وخبر ، أي إن المسيح صلىاللهعليهوسلم وإن أظهر الآيات فإنما جاء بها كما جاءت الرسل. (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) ابتداء وخبر. (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) أي : فإذا كانا يأكلان الطعام كانا يحدثان فكنّى الله تعالى عن ذلك وكان في هذا دلالة على أنّهما بشران قال الله تعالى (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الحقّ بعد هذا البيان ثم زادهم في البيان فقال :
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً).
أي أنتم مقرّون أن عيسى كان جنينا في بطن أمّه لا يملك لأحد ضرّا ولا نفعا (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي أنتم قد أقررتم أنّ عيسى كان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يعلم والله جلّ وعزّ لم يزل سميعا عليما.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٧٧)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى. (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ) جمع هوى وهكذا جمع المقصور على نظيره من السالم ، وقيل : هوى لأنه يهوي بصاحبه في الباطل.
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٧٨)
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) اسم ما لم يسمّ فاعله ، وبعض العرب يقول : الّذون. (عَلى
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٣ / ٥٤٤.
(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣١٧.