وبهذا يتحقق الأداء السليم لتلاوة القرآن ، كما يقول الله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤ : المزمل).
إن العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ، هم قوم أميون ، تلقّوا لغتهم سماعا ، وحفظوا كلماتها وأساليبها ، أصواتا تحمل من المعاني ما تحمل أنغام الموسيقى إلى أربابها!
فالعربى كان يعرف الكلمة جملة ، كما كان يعرف مدلولها الذي تدل عليه جملة أيضا ، بل إنه يعرف مدلول الكلمة أكثر مما يعرف الكلمة ذاتها ، فإذا نطق بكلمة «سيف» أو «درع» أو «جمل» أو «ليلى» أو نحو هذا ، ارتسم فى الحال لعينيه مدلول الاسم الذي نطق به ، دون أن يلتفت كثيرا إلى الصوت الذي انطلق من فمه!
وإذ كان حساب الكلمات عند العرب الجاهليين على هذا النحو ، الذي تبدو فيه الكلمات وكأنها مجرد أصوات!
وإذ كان ذلك كذلك ، وإذ كان القرآن الكريم كلاما معجزا ، فإن وجه الإعجاز لا ينكشف فى كلماته وآياته ؛ إلا إذا تحقق للكلمة وجود ذاتى ، وعرف لها ناطقها وسامعها أنها كائن له مشخصاته ، التي تحقّق له وجودا مستقلا عن غيره ، مباينا له ، كما يستقل الإنسان عن الإنسان بذاته ومشخصاته.
وعلى هذا التقدير ، تحدث القرآن الكريم إلى هؤلاء الأميّين بما يكشف لهم عن شخصية الكلمة ، وأنها بناء يقوم على أسس ، ويبنى على أصول ، وأن لبنات هذا البناء هى حروف : ألف ، لام ، ميم ، نون ، قاف .. وهكذا.
وبهذا النظر إلى الكلمات ، ينطق العربىّ بكلمات القرآن الكريم متأنيا ، متأملا ، حتى لكأن الحرف كلمة! وبهذا يتصل قارئ القرآن بكلمات القرآن اتصالا وثيقا ، يخلص إليه منه كثير من أضوائه ونفحاته ، وذلك هو