وشتّان بين دعوته ودعوتهم .. وإنه إذا لم تكن منهم استجابة له ، فلا أقلّ من أن يدعوه وشأنه ، وأن يدعوا النّاس وما يختارون لأنفسهم من موقف إزاء دعوته ودعوتهم ، وألا يحولوا بينه وبين من يستجيب له منهم ، وألا يتسلطوا على الذين آمنوا معه ، ويحملوهم على السير معهم في هذا الطريق الذي ارتضوه ، وأبوا أن يتحولوا عنه .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسان شعيب : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ؟) أي أيكون هذا موقفكم منّا ، ووعيدكم لنا بالإخراج من القرية ، إن كنا مصرّين على موقفنا ، متمسّكين بعقيدتنا ، كارهين لما تدعوننا إليه من العودة إلى ملّتكم؟ إنّ الدّين لا يكون عن إكراه ، وإن العقيدة لا تقوم على التسلط والقهر .. فكيف تكرهوننا إكراها على دين لم نقبله ، وعلى عقيدة لم نرضها؟ إنّه لا إكراه فى الدين ، وإننا لن نكرهكم على ما ندعوكم إليه ، فكيف تكرهوننا على ما تدعوننا إليه؟ ثم تهددوننا بالطرد من قريتنا إن لم نستجب لكم؟ ذلك ظلم مبين ، وعدوان آثم. (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) .. أي إننا وقد عرفنا الحق ، وآمنا به عن فهم واقتناع ، فإن الحيدة ـ بعد هذا ـ عن طريق الحق ، هى افتراء على الله ، وكذب صراح في وجه تلك الحقيقة المشرقة ..
(وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا).
إذ كيف يقبل عاقل أن يرد موارد الهلاك بعد أن خلص منها ، وسلك مسالك النجاة؟
(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
إنّنا لن نعود أبدا إلى ملتكم بعد أن نجانا الله منها ، إلّا أن يكون ذلك عن مشيئة سابقة لله فينا ، وعن قدر قدّره علينا ، فذلك من شأن الله وحده ،