ونقول ـ والله أعلم ـ : إن عذاب المنافقين مرتين هو فى النصر الذي يتحقق للإسلام ، وفى المغانم التي تمتلىء بها أيدى المسلمين ، هذا عذاب من أحد العذابين ، الذي تتقطع به قلوب المنافقين كمدا وحسرة .. أما العذاب الآخر ، فهو ما يصيبهم فى أنفسهم من بلاء على أيدى المؤمنين ، حيث يجرفهم تيار الإسلام ، ويزعج أمنهم وسلامتهم ، ويخرجهم من ديارهم وأموالهم كما حدث مع اليهود ..
أما العذاب العظيم الذي يردّون إليه بعد هذين العذابين ، فهو عذاب الآخرة ، (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥ : العنكبوت)
قوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
هو إشارة إلى صنف آخر من الذين نافقوا فى غزوة تبوك ، فتخلفوا عنها بأعذار ملفّقة ، وتعللوا بتعللات كاذبة ، وقد وقع فى أنفسهم النّدم على ما كان منهم ، وجاءوا إلى النبىّ معترفين بذنوبهم ، ومنهم الثلاثة الذين خلّفوا ، والذين ذكرهم الله بعد ذلك فى قوله سبحانه : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا).
فهؤلاء المخلّفون ، قد خلطوا عملا صالحا كان منهم قبل هذا التخلف ، بآخر سيّىء ، هو هذا التخلف عن رسول الله وعن المؤمنين فى غزوة تبوك ..
ـ وفى قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) دعوة لهم إلى المبادرة بالتوبة ، والانخلاع مما تلبّسوا به من خلاف لله ولرسوله. فإنهم إن أخلصوا نيّاتهم ، وأخلوا قلوبهم من وساوس النفاق ، ورجعوا إلى الله تائبين ـ كانوا بمعرض الصفح والمغفرة ، فإنهم يطلبون الصفح والمغفرة من رب غفور رحيم.