المناداة عليهم بقوله : أيها الركب ، مثلا ـ فى هذا دعوة لهم إلى أن يتوقفوا عن السير .. ولما كانت العير هى المنظور إليها عند هذا النداء ، لأنها هى المتحركة ، فقد حسن مخاطبتها ، لأنها هى المطلوبة أولا .. فإذا وقفت كان للمنادين شأنهم مع راكبيها .. ولهذا فإنه ما إن صدر النداء : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) حتى توقفت ، وما إن توقفت حتى كان الحديث إلى راكبيه : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)!
(قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ .. ما ذا تَفْقِدُونَ)؟ ..
لقد لوى الركب زمام عيرهم عن السير إلى وجهتهم ، واستداروا بها نحو من يهتفون بهم ، ويلقون إليهم بهذه التهمة الشنعاء : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)! فقالوا لهم ، وقد أقبلوا عليهم : «ماذا تفقدون»؟
(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).
لقد كان الرد بلسان الجميع : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) هذا هو ما سرق وذلك ما نتهمكم بسرقته.!
أما رئيس هذا الجمع المنطلق وراء القوم ، فإنه يتحدث إليهم بما يملك من سلطان ، لا يملكه غيره من جماعته .. فيقول بلسانه هو : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) .. فهو يريد أن يأخذ الأمر بالحسنى ، وأن يستردّ الصّواع من آخذه ، فى مقابل جعل جعله له ، وهو حمل بعير من الطعام ، وأنه كفيل وضامن لتحقيق هذا الوعد!
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) .. أي لقد علمتم من أمرنا أننا ما جئنا لنحدث فى أرضكم فسادا ، وإنّما جئنا تجارا لا سراقا .. (وَما كُنَّا سارِقِينَ) لهذا الصّواع الذي تدّعونه علينا ..