ليوسف ـ عليهالسلام ـ وآذنه بها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسان يوسف : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) .. فهو يعلم من الله ، ما يحمل هذا القميص فى طياته من أسرار أودعها الله فيه!
ولك أن تقول : إن ذلك لم يكن أمرا معجزا ، وإنه جاء جاريا على سنن الطبيعة ومألوف الحياة .. وأن الذي ذهب ببصر يعقوب هو شدة الحزن ، وأن الذي أعاد إليه بصره الذاهب هو شدة الفرح ..! وأن قول يوسف الذي أنبأ به عن ارتداد بصر أبيه إليه بعد أن يلقى القميص على وجهه ـ هذا القول هو لمحة كاشفة من لمحاته المشرقة ، عرف بها تأويل هذا الأمر .. تماما كموقفه من تأويل الأحاديث والأحلام!
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فصلت العير : أي بدأت رحلتها ، بعد أن شدّت رحالها ، وأصل الفعل يدل على الانفصال عن الشيء .. ومنه الفصيل ، وهو ابن الناقة ، يفصل عنها بعد أن يستغنى عن لبنها .. ومن ذلك قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) أي حمله وفطامه .. والعير : الحمير .. وهى جمع ، واحدها عير ، مثل : سقف وسقف ، وأصل العير ، عير على وزن فعل ، مثل : سقف .. استثقلت الضمة على الياء فحذفت ، فسكنت الياء ، وسبقها ضمة ، فقلبت الضمة كسرة ، لتناسب الياء ، فصارت العير ، على وزن فعل ، مثل حلم.
تفنّدون. أي تهزءون وتسخرون بي ، وتنسبوننى إلى الخرف ، والأفن وضعف الرأى.
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)
لقد وقع ما كان يحذره ، ولم يسلم من تفنيد المفنّدين ، ولوم اللائمين ، ممن