ذاته ، ويذكّره بأن ذلك الحديث كلّه إنما هو حديث إليه ، ومناجاة له من ربّه ، يجد فيها ريح العافية ، وبرد العزاء.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) .. فهذا الذي سمعته أيها النبىّ من قصة يوسف ، هو من أنباء الغيب ، التي أوحى الله بها إليك ، ليثبّت بها فؤادك ، ويربط بها على قلبك!
ـ (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) .. أي أن النبىّ الكريم لم يكن بمشهد من هذه الأحداث ، حتى يعلمها ، ولم يكن يتلو كتابا من قبل ، حتى يقع عليها : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) (٤٩ : هود).
والذين أجمعوا أمرهم ، وهم يمكرون ، هم إخوة يوسف ، الذين قالوا : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) .. فهذا ما أجمعوا أمرهم عليه ، وهذا هو مكرهم الذي مكروه .. ولم يكن النبىّ بمشهد من هذا.
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ـ هو عزاء بعد عزاء للنبىّ الكريم ، ومواساة له لما يلقى من قومه من كيد ومكر .. فهكذا النّاس ، يغلب شرّهم خيرهم ، ويطغى سفهاؤهم وجهالهم على العقلاء والراشدين فيهم .. وإنه مهما حرص النبىّ على هداية الناس ، ومهما اجتهد فى طلبهم إليه ، وشدّهم نحوه فإن أكثرهم على خلاف وإباء! ..
فإذا كان فى بيت النبوة وفى سلالات الأنبياء ، ينبت مثل هذا الشرّ ، ويقع مثل هذا الذي وقع بين يوسف وإخوته ـ فليس بالمستغرب ، ولا من غير المتوقع أن يرى النبىّ فى أهله ، وقومه ، من يكيدون له ، ويبغون الشرّ به!