من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد» (١).
وقد طلع النبىّ على قريش بهذا الخبر ، وأنه أسرى به فى ليلته تلك من مكة إلى بيت المقدس ، فبهتوه ، وكذّبوه ، وأطلقوا ألسنتهم بالقول السيّء فيه .. وقال قائلهم : «هذا والله الإمر (٢) ، والله إن العير لتطّرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهرا مقبلة .. أفيذهب محمد فى ليلة واحدة ويعود إلى مكة»؟
ولم يقف الأمر عند كفّار قريش ، بل تجاوزهم إلى ضعاف الإيمان ، ممن أسلموا ، فارتدّوا عن الإسلام ، وارتابوا ..
وتحدّث الروايات أن الكفار ذهبوا إلى أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ لعلهم يجدون عنده ما وجدوا عند ضعاف الإيمان ، فقالوا له : «هل لك يا أبا بكر فى صاحبك؟ يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس ، وصلّى فيه ، ورجع إلى مكة؟ فقال لهم أبو بكر : أنتم تكذبون عليه؟ فقالوا : ها هو ذا فى المسجد يحدّث به الناس! فقال أبو بكر : «لئن كان قاله لقد صدق! فما يعجبكم من ذلك؟ فو الله إنه ليخبرنى أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض فى ساعة من ليل أو نهار ، فأصدقه .. فهذا أبعد مما تعجبون منه (٣)».
ونحن نشكّ فى هذه الرواية .. فما كان أبو بكر بالذي يخفى عليه شىء من أمر النبىّ ، حتى يعلمه كفار قريش قبل أن يعلمه ، وما كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يحدث بهذا الخبر العجيب قبل أن يلقى به أبا بكر ، وهو الذي كان أشبه بظلّ رسول الله ، لا يفارقه أبدا!
__________________
(١) السيرة لابن هشام : جزء ٢ ص ٢.
(٢) الإمر بالكسر ـ الأمر العظيم فى شناعته : «لقد جئت شيئا إمرا»
(٣) زاد المعاد جزء ٢ والسيرة لابن هشام جزء ٢ ص ٤.