ونعود إلى «الإسراء» فنقول ـ كما قلنا من قبل ـ إنه كان شأنا خاصّا بالنبيّ ، ورحلة روحيّة فى الملأ الأعلى ، أرادها الله سبحانه وتعالى له ، ليشرح بها صدره ، وينعش بها روحه ، ويذهب بها ما ألمّ به من ضيق وحزن ، بموت عمّه ، وزوجه ، وبتألّب قريش عليه ، وعلى آله ، وبما لقى من أهل الطائف من لقاء بارد ثقيل ، وردّ سمج قبيح.
وفى حدود هذا المعنى ينبغى أن نقيم نظرتنا إلى الإسراء .. فهو بهذا المعنى ، ليس معجزة للتحدّى ، تقف من الناس موقف التعجيز لهم ، والتحدّى بالإتيان بمثلها ، وإنما هى إخبار بأمر شهده الرسول وحده .. فإذا حدّث به كان حديثه الصدق كلّه ، لا ينبغى لمن آمن بأنه نبىّ أن يكذّبه ، أو يشك فى شىء مما يقول .. إنه أمين السّماء .. لا يكذب أبدا .. هذا مبدأ يجب أن يسلم به كل من يدخل فى هذا الدين ، ويؤمن بالله ورسوله .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٧ : الحشر).
إن حديث الإسراء اختبار عملىّ لإيمان المؤمنين .. فمن آمن بالله ، لا يكون إيمانه إيمانا حقّا ، حتى يؤمن برسوله ، ولا يكون مؤمنا برسوله حتى يصدّق كل قول يقوله ، ويسلّم به ، قبل أن ينظر فيه ، أو يعرضه على عقله .. وإن كان ذلك لا يمنعه من أن ينظر بعد هذا فى قول الرسول ، وأن يعرضه على عقله فذاك نظر غايته الفهم والإدراك لمرامى قول الرسول والعمل به ..
فهذه آيات الله التي كانت تنزل على الرسول الكريم ، إنها لم يقم عليها شاهد بأنها كلام الله ، إلّا إيمان المؤمنين به ، بأنه رسول من عند الله ، وإن كان فى آيات الله ذاتها ما يحدث عن إعجازها ، وأنها ليست من قول بشر .. ولكن هذا لا يعرف إلا بعد نظر فى وجه آيات القرآن ، واستعراض ما فيها من قوى الحق ، وشواهد الإعجاز!