فالرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مطالبون بدعوة الناس إلى الله ، ومدّ أيديهم إليهم بالهدى الذي معهم والناس مطالبون بأن يقبلوا على هذه الدعوة ، وأن يستجيبوا لها. ثم ينجلى الموقف آخر الأمر ، عن مؤمنين آمنوا بالله ، وانتفعوا بهذا الهدى ، وعن كافرين ، كفروا بالله ، ولم يأخذوا بحظهم من هدى الله .. وكلا الفريقين ـ من مؤمنين وكافرين ـ أخذ الطريق الذي رسمه له القدر ، دون أن ينكشف له ما قدّر الله عليه ، ولا أن يجد فى نفسه أنه مقهور تحت سلطان هذا القدر ، وإنما هو مطلق العنان ، يأخذ الطريق الذي قدّره هو ، ورآه هو .. وهو عين ما قدره الله ، وقضى به!
وثانيهما : أنه لو حملت التوراة إلى بنى إسرائيل هذا القضاء المقضى به عليهم ، فى صورة الأمر أو فى صورة الخبر .. لكان ذلك مما يسقط التكليف عنهم ، إذ يضعهم تحت أمر نافذ لاسلطان لهم عليه ، ولا قدرة معهم لدفعه ، وتعالت حكمة الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ..
أما ما أنذر الله سبحانه وتعالى ، به بنى إسرائيل من سوء ، وما رماهم به من لعنة ، وما أخذهم به من مسخ ، فقد كان ذلك واقعا على جماعات منهم ، بحيث يبقى بعد ذلك بقية منهم خارجة عن هذا الحكم .. وتلك البقية هى متعلق أنظار القوم جميعا ، بحيث يرى كل واحد منهم أنه فى غير الملعونين ، والممسوخين ، وإن كان ـ فيما قدّر عليه ـ فى الصميم منهم!
ـ وفى قوله تعالى : (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) خبر محقق بأن الإفساد الذي يقع من القوم سيكون «مرّتين» يقعان على امتداد حياة بنى إسرائيل فى هذه الأرض ..
وقد اختلف فى الزّمن الذي يقع فيه هذا الفساد فى كلّ مرة من المرتين ، وهل وقعت هاتان المرتان أو لم تقعا بعد؟ أم وقعت إحداهما ولم تقع الأخرى؟