(رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٣٣ : القصص).
وإذن فقد كانت هذه المواجهة لموسى بفعلته ، وبمغفرة الله له ، وبذهاب كل أثر لهذه الحادثة ـ كانت هذه المواجهة من تدبير الحكيم العليم ، لانتزاع هذا الخوف ، الذي غاصت جذوره في أعماق موسى وخالطت وجوده.
قوله تعالى :
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
وتجربة أخرى ، يجريها موسى ، بعد تجربة العصا ، وهي يده ، التي كانت تمسك بهذه العصا .. إن يده هذه نفسها ، يمكن أن تكون شيئا آخر ، كما كان ذلك شأن العصا.
العصا يلقيها على الأرض .. فإذا هي جانّ ، وإذا هي ثعبان مبين ، وإذا هى حية تسعى ..
ويده .. ماذا يفعل بها؟
إنه يدخلها في جيبه ، أي يدسها في صدره ، تحت ثوبه ، إذ يدخلها من جيبه ـ أي الفتحة التي يلبس منها الثوب ـ ثم يخرجها ، فإذا هي بيضاء بياضا ناصعا ، مشرقا ، «من غير سوء» أي ليس هذا البياض عن داء كداء البرص مثلا ، وإنما هو بياض يشّع نورا ، ويتلألأ صفاء .. كما تتلألأ اللائي.
وقدّمت تجربة العصا ، على تجربة اليد ، لأن العصا ـ مهما كان التحول الذي يحدث لها ـ لا تثير في نفس موسى من رعب ما تثيره يده ، وقد تغيرت صفتها على هذه الصورة التي تحولت إليها ..
إنه مع العصا ، قد استطاع أن يجد لمخاوفه مهربا .. فولى مدبرا ، يبتعد