أن ما يفهمونه يومئذ من الدابة فيه كلم وأذى لهم ، بما ينكشف لهم من سوء حالهم ، وأنهم دون هذه الدواب العجماء فهما ، وأقصر منها إدراكا ..
وليس المراد بالدابة ، دابة واحدة ، وإنما المراد جنسها ، وهي كل ما يدب على الأرض من حيوان .. من حشرات ، وأنعام ، وطيور .. وغيرها ..
وقوله تعالى : (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) ـ هو تعليل لقوله تعالى : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) ـ أي تكلمهم الداية لأنهم كانوا لا يوقنون بآيات الله ، ولا يؤمنون بها .. والمراد بالناس هناهم هؤلاء المشركون والضالون ، وكل من كفر بالله وأعرض عن آياته ..
هذا هو المفهوم الذي نستريح إليه من معنى الآية الكريمة ، وهو مفهوم كما ترى يعطى دلالة تعين على تأكيد المعنى الذي قصدت إليه الآيات التي سبقتها ، والآيات التي لحقتها ، كما سنرى .. ومما يستأنس به لهذا الفهم الذي فهمنا عليه الآية الكريمة ، هو أن هذه الآية قد جاءت في تلك السورة «سورة النمل» التي كان من آياتها ، حديث النملة ، وحديث الهدهد ، مع سليمان عليهالسلام ، فقد وقف هذان الحيوانان الضعيفان وهما دابتان من دواب الأرض ـ وقفا من سليمان هذا الموقف ، الذي صغر فيه لعينى سليمان ملكه وما حشد له فيه من الجن والإنس والطير ، أمام هذين المخلوقين الضعيفين ، وما أودع فيهما الخالق العظيم .. من علم ، وحكمة ، وبصيرة!
وقد نطق الهدهد ، بوحدانية الله ، وأنكر على الناس كفرهم وضلالهم ، وسجودهم للشمس والقمر ، شأنهم في هذا شأن هؤلاء المشركين ، الذين يعبدون من دون الله أصناما ، فقال : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..)؟ (٢٥ : النمل)