ـ وقوله تعالى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) ـ أي أمسكيه عندك ، وأرضعيه ، حتى إذا استشعرت خوفا من فرعون أن يصل إليه فألقيه في اليم ، أي النهر ، وهو نهر النيل ..
ـ وقوله تعالى : (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) تطمين لأم الوليد ، وتسكين لمخاوفها التي تطل عليها من إلقائه في اليم .. فهى إذ تستمع إلى هذا الوعد من رب العالمين ، تدفع بابنها إلى اليم ، فى غير تردد ، هذا إذا كان الأمر وحيا مباشرا ، أما إذا كان إلهاما ، فتكون هذه الأوامر الموجهة إليها ، خواطر قد جرت في تفكيرها ، ثم ألزمت نفسها بها ، وأقامت أمرها عليها .. فكأنها أوامر صادرة إليها من جهة عليا ، لا تستطيع لها خلافا. إنها القدر الذي يسير الإنسان ، ويحدد خطواته ، ويقيم وجهه على هذا الأمر أو ذاك .. وقد هداها إيمانها بالله إلى هذا الاطمئنان.
قوله تعالى :
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ).
وتتحرك الأسباب إلى غايتها ، خطوة خطوة .. فهذا موسى «الوليد» ينتقل من يد أمه إلى صدر النهر ، ثم ينتقل من صدر النهر إلى بيت فرعون .. وهكذا يمضى القدر فى طريقه ، لا يدرى الناس من أمره شيئا ، حتى ليربّى فرعون في حجره ، العدوّ الذي كان يطلبه! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). فهو لم يلتقط حين التقط ليكون لفرعون عدوا وحزنا ، وإنما التقطه آل فرعون ليكون لهم قرة عين ، كما تقول امرأة فرعون : (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ولكنّ للقدر طريقا غير هذا الطريق .. لقد