هو شأنها ، فإنّ التعلق بها وبأهلها ، وبأشيائها ، هو متاع إلى حين ، ثم ينصرم الحبل بين الإنسان وبين كل ما يمسك به من هذه الدنيا ، طال الزمن أو قصر ـ فإذا كان ما يمسك الإنسان من هذه الدنيا شىء يحول بينه وبين الطريق إلى الله ، وإلى ما عند الله من ثواب عظيم وأجر كريم ـ فإن هذا الشيء مهما غلا ، هو عرض زائل ، وظل حائل ، لا حساب له إلى جانب الباقيات الصالحات ، وما وعد الله سبحانه عليها ، من رضوان وجنّات فيها نعيم مقيم.
قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
فهذه هى الحياة الباقية ، التي ينبغى للإنسان أن يعمل لها ، ويحرص الحرص كلّه على ألّا يعوّقه شىء ـ أيّا كان ـ عن السعى في تحصيل كل ما هو مطلوب لها ... فالذين آمنوا بالله ، وعملوا الصالحات ، موعودون من الله سبحانه وتعالى أن ينزلهم من الجنة أكرم منازلها ، وأن يحلّهم منها في غرفات يجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ، لا يتحولون عنها ... وذلك هو جزاء العاملين ، وإنه لنعم الجزاء.
وإن أبرز صفات العالمين ، الذين يداومون على العمل ويحسنونه ، هو الصبر ، والتوكل على الله ، فبالصبر يقهر الإنسان كل دواعى الضعف والتخاذل ، وبالتوكل على الله والتسليم له ، وتفويض الأمور إليه ، يحلو المرّ ، ويستساغ الضرّ ... وبهذا يظل العامل آخذا مكانه في موقع العمل ، فيما يرضى الله ، لا يتحول عنه أبدا.
وفي قوله تعالى : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) وعد مؤكد ، بالقسم ،