فلقد توعدهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم في الآخرة ، لأنهم باستخزائهم وضعفهم ، قد باعوا دينهم ، واسترخصوا مروءتهم ، فكانوا سلعة فى يد الأقوياء ، لا يملكون معهم كلمة حق يقولونها ، ولا يجدون من أنفسهم القدرة على دعوة خير يدعون بها ... وإنه هيهات أن يسلم لإنسان دين أو خلق ، إلا إذا تحرر من كل ضعف واستعلى على كل خوف .. ومن هنا كانت دعوة الإسلام متجهة كلها إلى تحرير الإنسان ، عقلا وقلبا وروحا ، كما كانت دعوته إلى تحرير الإنسان وجودا وجسدا ..
وقد يكون الإنسان حرا طليقا في المجتمع الذي يعيش فيه ، لا يرد عليه من الجماعة وارد من ضيم أو ظلم ، ومع هذا فهو أسير شهواته ، وعبد نزواته ، وتبيع هواه ... لا يملك من أمر وجوده شيئا ... ومن هنا كان أول ما يجاهد الإنسان هو جهاد النفس ، والأهواء المتسلطة عليه منها ، وهذا ما قصد إليه الرسول الكريم من قوله ، وقد عاد من إحدى غزواته: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» قالوا يا رسول الله : وما الجهاد الأكبر؟ قال : جهاد النفس».
قوله تعالى :
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
هو تهوين من شأن الدنيا في عين المؤمنين الذين يتهيّئون للهجرة .. فقد يحضر كثيرا منهم ـ وهو يأخذ عدته للهجرة ـ وارد من واردات الإشفاق على الأهل والولد ، وما يلقى من لهفة وحنين لفراقهم ، وما يجدون هم من أسى وحسرة لبعده عنهم .. إلى غير ذلك مما يقع للمرء من تصورات وخواطر فى مثل هذا الموقف ـ فجاء قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) مهوّنا من شأن هذه الحياة الدنيا ، فإن نهاية كل حىّ فيها هو الموت .. وإذ كان ذلك