ـ وقوله تعالى : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ... أي فاجعلوا عبادتكم لى وحدي ، لا تشركون بعبادتي أحدا ...
والفاء في قوله تعالى : (فَإِيَّايَ) تفيد السببية .. حيث كشف قوله تعالى : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) عن إضافة هذه الأرض إلى الله سبحانه ، كما كشف عن سعة هذه الأرض ، وأن أي مكان ينزل منها الإنسان فيه ، هو في ملك الله ... وإذ كان ذلك كذلك ، وجب أن يفرد وحده سبحانه بالعبادة ، كما أفرد جل شأنه بالملك ...
هذا ، والآية الكريمة دعوة سماوية إلى تحرير الإنسان ، جسدا ، وعقلا ، وقلبا ، وروحا ، من كل قيد مادى ، أو معنوى ، يعطل حركته ، أو يعوق انطلاقه ، أو يكبت مشاعره ، أو يصدم مشيئته ، أو يقهر إرادته ...
ففى أي موقع من مواقع الحياة ، وعلى أي حال من أحوالها ، لا يجد فيه الإنسان وجوده كاملا محررا من أي قيد ، ثم لا يعمل جاهدا على امتلاك جريته كاملة ـ يكون ظالما لنفسه ، معتديا على وجوده ...
وإذا كانت دعوة الإسلام قد جاءت لتحرير الإنسانية من ضلالها ، وفرضت على المؤمنين أن يجاهدوا الضلال والضالين ، وأن يبذلوا في سبيل ذلك دماءهم وأموالهم ، فإن الجهاد الحق في أكرم منازله ، وأعلى درجاته ، هو الجهاد في تحرير المؤمن نفسه أولا ، وفي تخليصها من كل قيد يمسك بها على مربط الذل والهوان ، ويحملها على أن تطعم من مطاعم الذلة والمهانة ، وفي هذا يقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ!! قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧ : النساء) ..