فيجاب ، بأنك إذا رجعت إلى جميع ما أقسم الله به ، وجدته إما شيئا أنكره بعض الناس ، أو احتقره لغفلته عن فائدته ، أو ذهل عن موضع العبرة فيه ، وعمى عن حكمة الله فى خلقه ، أو انعكس عليه الرأى فى أمره ، فاعتقد فيه غير الحق الذي قرر الله شأنه عليه ـ فيقسم الله به ، إما لتقرير وجوده فى عقل من ينكره ، أو تعظيم شأنه فى نفس من يحقره ، أو تنبيه الشعور إلى ما فيه عند من لا يذكره ، أو لقلب الاعتقاد فى قلب من أضله الوهم ، أو خانه الفهم ....
«ومن ذلك النجوم .. قوم يحقرونها لأنها من جملة عالم المادة ، أو يغفلون عن حكمة الله فيها ، وما ناط بها من المصالح ، وآخرون يعتقدونها آلهة تتصرف فى الأكوان السفلية تصرّف الرب فى المربوب ، فيقسم الله بأوصاف تدل على أنها من المخلوقات ، التي تصرّفها القدرة الإلهية ، وليس فيها شىء من صفات الألوهية ...
ثم يقول الإمام :
«وهناك أمر يجب التنبيه عليه ، وهو أن من الأديان السابقة على دين الإسلام ، ما ظن أهله أن هذا الكون الجسماني ، وما فيه من نور وظلمة ، وأجرام ، وأعراض ـ إنما هو كون مادى ، لم يشأ الله كونه إلا ليكون حبسا للأنفس ، وفتنة للأرواح ، فمن طلب رضا الله ، فليعرض عنه ، وليبعد عن طيباته ، وليأخذ بدنه بضرب من الإعنات والتعذيب وأصناف الحرمان ، وليغمض عينيه عن النظر إلى شىء مما يشتمل عليه هذا الكون الفاسد فى زعمه ـ اللهم إلا على نية مقته ، والهروب منه ..
فأقسم الله بكثير من هذه الكائنات ، ليبين مقدار عنايته بها ، وأنه لا يغضبه من عباده أن يتمتعوا بما متعهم به منها ، متى أدركوا حكمة الله فى هذا المتاع ، ووقفوا عند حدوده فى الانتفاع».