الهدى ، وإلى الخروج من دوامة هذا الاختلاف .. إنهم لا يختلفون فى سبيل البحث عن الحقيقة ، والتعرف عليها ، وإنما خلافهم فى أن يجدوا طريقا واحدا من طرق الضلال والبهتان ، تجتمع عليه كلمتهم ، ويلتقى عنده رأيهم.
والنبأ العظيم ، هو الأمر ذو الشأن ، الذي تغطّى أخباره كل خبر ، فتتجه إليه الأنظار ، وتشغل به الخواطر .. والمراد به هنا ، القرآن الكريم ، وما يحدثهم به عن البعث والقيامة ، والحساب .. الأمر الذي لا تحتمل عقولهم تصور إمكانه.
ويجوز أن يكون قوله تعالى : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) سؤالا آخر بعد السؤال الأول : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ)؟. أي أيتساءلون عن هذا النبأ العظيم ، الذي هم مختلفون فى مذاهب القول فيه ، وفى أن ما يحدثهم به النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن البعث ، والحساب والجزاء ، شىء لا يصدق ، وأن ذلك إنما هو من خداع «محمد» واستهوائهم لاتّباع دعوته ، لحاجة فى نفسه؟ أذلك هو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟
قوله تعالى :
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)
هو رد على هذا الذي يتساءلون عنه .. إنه أمر لا يدعو إلى تساؤل من عاقل ، ولا يثير خلافا بين عقلاء .. إذ كان أظهر من أن يسأل عنه ، وأوضح من أن يختلف فيه ، وأنهم إذا جهلوه لجهلهم ، أو تجاهلوه بعنادهم ـ فإنه سيأتى اليوم الذي يعلمونه فيه يقينا ، ويرونه عيانا ..
وفى تكرار الخبر ، توكيد له ، وتقرير لتلك الحقيقة السافرة ، التي تقوم بين يديها ومن خلفها ، الأدلة القاطعة ، والبراهين الناطقة!