فالحب يتخذ منه الخبز ، والعنب يتخذ منه الخل ، والقضب ـ كالخس ، والبصل ونحوهما ـ تتخذ منه المخللات ، والزيتون ، يتخذ منه الزيت ، والنخل ، يؤخذ منه التمر .. ومن هذا جميعه تنتصب مائدة كاملة بين يدى الإنسان ، فيها طعامه وإدامه ، وما يتخلل به أثناء طعامه ، وما يتفكه به بعد الطعام!!
كذلك خرج من هذه الأرض الحدائق الغلب ، أي كثيرة الأشجار ذات الظلال ، والفواكه ، وفى هذه الحدائق متعة العين ، وبهجة النفس ، ومسرة القلب ، يجىء إليها الإنسان ، لينعم ، ويهنأ بالاستظلال بظلها ، بعد أن يستوفى حاجته من الطعام .. فتتم بذلك النعمة ، ويكمل النعيم.
وفى هذه الحدائق الغلب ، ذات الظلال الممدودة ، والفواكه الدانية القطوف ، بسط ممدودة من العشب ، الذي يكسو أرض هذه الحدائق بهجة ، وجمالا .. وهذا العشب هو «الأبّ» الذي يمسك بالأرض ، ويلتصق بها ، ويتأبّى ـ مع صغره ، وضعف سوقه ـ على الرياح والعواصف أن تنتزعه من مكانه .. هذا ، وفى تلك النعم التي ينعم بها الإنسان ، جانب تناله الأنعام وتأكل منه ، كورق الشجر ، والعنب ، والقضب ونحوه. ولهذا جاء قوله تعالى تعقيبا على هذه النعم : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
وقد اختلف العلماء فى معنى كلمة «الأبّ» وتواردت عليها كثير من الآراء ، والروايات ، لما رأوا من غرابة هذه الكلمة ، وقلة دورانها على الألسنة ، ومجيئها فى سياق كلمات معروفة ، كثيرة التداول ، كالحبّ والعنب ، والقضب ، والزيتون والنخل.
وحين تكثر الآراء حول معنى كلمة من الكلمات ، تجلب لها الروايات التي تضيف أقوالا إلى صحابة رسول الله ، بل إلى رسول الله أحيانا ، يسند بها كل