ثم رآني ، فكأنّه استحى فقال : يا أبا عبد الله أكره أن تكون غيبة ، كذا أدركت أصحابنا يقولون. فهذه الحكاية عن مالك يريد بها من لم تثبت عدالته منهم ، فإنّه بلا ريب مجهول الحال فلا يعتمد عليه. ومن علم كذبه ردّ خبره ، أمّا من ثبت صدقه وإتقانه فهم كعلماء المدينة. فلمالك نظراء في أهل المشرق مثل : شعبة ، وحمّاد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، ولشيوخ مالك نظراء كمنصور ، والأعمش ، وقتادة. وللقاسم ، وسالم ، وعروة نظراء في الجلالة كالشّعبيّ ، والنّخعيّ ، ومحمد بن سيرين. نعم ، الكذابون يندرون بالحجاز ، ويكثرون بالعراق.
قال البوسنجيّ : سمعت عبد الله بن عمر بن الرمّاح قال : دخلت على مالك فقلت : يا أبا عبد الله ما في الصّلاة من فريضة وما فيها من سنّة؟
فقال مالك : هذا كلام الزّنادقة ، أخرجوه.
وقال أشهب : كنت عند مالك فسئل عن البتّة فقال : هي ثلاث ، فأخذت ألواحي لأكتب فقال : لا تكتب فعسى في العشيّ أن أقول إنّها واحدة.
وقال معن بن عيسى : سمعت مالكا يقول : إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكلّ ما وافق الكتاب والسّنّة فخذوا به ، وما خالف فاتركوه.
إسماعيل بن أبي أويس : حدّثني مالك قال : لمّا أراد يحيى بن سعيد أن يخرج إلى العراق قال لي : أكتب لي مائة حديث من حديث ابن شهاب ، فكتبتها له ، فأخذها.
قلت لمالك : فما قرأها عليك ولا قرأتها عليه؟
قال : لا ، هو كان أفقه من ذلك.
منصور بن سلمة الخزاعيّ : كنت عند مالك فقال له رجل : يا أبا عبد الله أقمت على بابك سبعين يوما وقد كتبت ستّين حديثا.
فقال : ستّون حديثا! وكأنّه يستكثرها.
فقال له الرجل : إنّا ربّما كتبنا بالكوفة في المجلس ستّين حديثا.
قال : وكيف العراق دار الضّرب ، يضرب باللّيل وينفق بالنّهار.