متكلّمو الشيعة عبر القرون
قد تعرفت على رءوس المسائل الكلامية التي شغلت بال المفكّرين من المسلمين عبر القرنين : الأوّل والثاني ، ومن حسن الحظّ أنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، أخذوها بالبحث والتحليل في خطبهم ورسائلهم وقصار كلمهم ، وإنّهم وإن أقصوا عن ساحة الحكم والخلافة لكن عكفت على بابهم الأمّة فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة ، واعترفوا بكونهم المراجع العليا فيهما حتى المتقمّصين بالخلافة والمديرين لكرتها.
ولو أنّك سبرت ما أثر عن أمير المؤمنين وولديه السبطين ، وما ورد في أدعية السجادعليهمالسلام لوجدت في كلامهم تصاريح أو إشارات لتلك المسائل ، نذكر عن كل واحد منهم نموذجا ليكون مثالا لما لم نذكره.
كان لمسألة القضاء والقدر دويّ في العقد الثالث والرابع من الهجرة وكان القدر بمعنى السالب عن الاختيار متفشّيا بين المسلمين ، وقد سأل الإمام عليا عليهالسلام أحد أصحابه عند منصرفه من صفين ، وكان انطباعه عن التقدير أنّه لا دور للإنسان في محاسن أفعاله ومساويه ، وإليك السؤال والجواب :
أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنينعليهالسلام: «أجل يا شيخ ، فو الله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلّا بقضاء من الله وقدر». فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي (١) يا أمير المؤمنين ، فقال : «مهلا يا شيخ : لعلّك تظنّ قضاء حتما وقدرا لازما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعيد والوعد ، ولم يكن على
__________________
(١) أي إن كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالى وقدره لم نستحق أجرا ، فرجائي أن يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضّل عليهم بفضله يوم القيامة.