وإنما أدى إلينا ذلك كلّه الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا] (١) ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة. انتهى.
والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة ، من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في «صحيحه» ، من حديث عبد الله بن مغفّل ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا ، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» (٢).
وقال أبو محمّد بن حزم : الصحابة كلّهم من أهل الجنة قطعا ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠]. وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠١]. فثبت أن الجميع من أهل الجنة ، وأنه لا يدخل أحد منهم النار ، لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.
فإن قيل : التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك ، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة ، وهي (٣) قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) [التوبة : ١٠٠] الآية ـ يخرج من لم يتصف بذلك ، وهي من أصرح ما ورد في المقصود ، ولهذا قال المازري في «شرح البرهان» : لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ـ كلّ من رآه صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما ما ، أو زاره لماما (٤) ، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه ، واتبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى.
والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب ، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوّة. وأما كلام المازري فلم يوافق عليه ، بل اعترضه
__________________
(١) من أول وأطلق جماعة أن من رأى النبي صلىاللهعليهوسلم إلى هنا سقط في ب ، ت.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٥ / ٦٥٣ كتاب المناقب باب ٥٨ في فضل من بايع تحت الشجرة حديث رقم ٣٨٦٢ وقال أبو عيسى الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأحمد في المسند ٥ / ٥٤ ، ٥٧. وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٢٨٧ ، وابن حبان في صحيح حديث رقم ٢٢٨٤ ، وابن عدي في الكامل ٤ / ١٤٨٥ وابن حجر في لسان الميزان ٣ / ١٢٦٩.
(٣) سقط في ه.
(٤) في ج لحالة.