فرضتها الظروف على أبى حاتم ، وأنه كان الرجل ، الرجل اللائق لنفس الموضوع. فالكتاب على حقيقته مناسبة تاريخية تصور لنا معركة فكرية عقائدية بين رازيين أبى حاتم الداعى المتكلم الاسماعيلى ومحمد بن زكريا المتفلسف المتطبب. حيث تعددت اللقاءات بينهما ودار النقاش حول مواضيع شتى من جوانب الثقافة الاسلامية من عقائد وفلسفة وكلام وطب وصيدلة وهيئة وما الى ذلك على أن اختلاف الرأى بين الرجلين فى هذه الجوانب لم يكن الا مظاهر متعددة لاختلاف اساسى واحد بينهما فى الرأى حول العقل الانسانى وتكليفه وحدود امكانه من جانب والنبوة والضرورة إليها من جانب آخر. ولا شك فى أنها ليست المرة الوحيدة التى يناقش فيها هذا الموضوع بالذات سواء على مستوى الاسلام أو ما قبل الاسلام ؛ فهو موضوع الانسان بين العقل والايمان ، الّذي لعب وما زال يلعب ادوارا خطيرة فى حياة البشر الى يومنا هذا. بل لعلى لا اكون مبالغا اذا قلت انه اهم موضوع فى حياة الانسان ومحور الصراع الدائم بين الانسان ونفسه. فالنفس الانسانية ميالة الى التحرر من العبودية لله راغبة فى التأله وانفكاك من كل سلطان يحدمن نزواتها. وكان كلّ من يتناول الموضوع يدلى برأيه تاركا الحكم للزمان ، فهو الّذي يقرر الاحكام النهائية في ما هم فيه مختلفون.
هذا ، الا ان الجديد فى باب هذا الكتاب ان الخلاف ظهر فى صورة محاورات ومناظرات حادة عنيفة فى جوّ مفعم بالسخرية العميقة وبما تجلت عنه نفس أبى حاتم من القدرة الفائقة على الاقناع والافحام