النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعوده ، فقال : «إنّي لا أرى طلحة إلّا قد حدث به الموت ، فآذنوني به ، وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لمسلم أن يحبس بين ظهراني أهله» (١).
هكذا أورده أبو داود مختصرا كعادته في الاقتصار على ما يحتاج إليه في بابه. أورده ابن الأثير من طريقه ، ثم قال بعده : وروى أنه توفّي ليلا ، فقال : ادفنوني وألحقوني بربي ، ولا تدعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنّي أخاف عليه اليهود ، وأن يصاب في سببي.
فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أصبح ، فجاء حتى وقف على قبره ، وصف الناس معه ثم رفع يديه وقال : «اللهمّ الق طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك» (٢).
قلت : وفيما صنع قصور شديد ، فإن هذا القدر هو بقية الحديث ، أورده البغويّ ، وابن أبي خيثمة ، وابن أبي عاصم ، والطبراني ، وابن شاهين ، وابن السكن ، وغيرهم ، من هذا الوجه الّذي أخرجه منه أبو داود مطولا ومختصرا في أوله : أنه لما لقي النبيّ صلىاللهعليهوسلم جعل يدنو منه ويلتصق به ، ويقبّل قدميه ، فقال له : يا رسول الله ، مرني بما أحببت ، لا أعصي لك أمرا ، فعجب النبي صلىاللهعليهوسلم لذلك وهو غلام ، فقال له : «اذهب فاقتل أباك» ، فذهب ليفعل ، فدعاه فقال : «أقبل ، فإنّني لم أبعث بقطيعة رحم». قال : فمرض طلحة بعد ذلك ... فذكر الحديث أتمّ مما مضى أيضا.
قال الطبرانيّ لما أخرجه في الأوسط : لا يروى عن حصين بن وحوح إلا بهذا الإسناد ، وتفرّد به عيسى بن يونس.
قلت : اتفقوا على أنه من مسند حصين ، لكن أخرجه ابن السكن من طريق يزيد بن موهب ، عن عيسى بن يونس ، فقال فيه : عن حصين ، عن طلحة بن البراء أنه سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم : يقول : «لا ينبغي لجسد مسلم أن يترك بين ظهراني أهله» (٣).
وأخرج ابن السّكن من طريق عبد ربه بن صالح ، عن عروة بن رويم ، عن أبي مسكين ، عن طلحة بن البراء ، أنه أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «ابسط يدك أبايعك» ، قال : على ما ذا؟ قال : «على الإسلام». قال : وإن أمرتك أن تقتل أباك؟ قال : لا. ثم عاد فقال مثل قوله حتى فعل ذلك ثلاثا ، فقال : «نعم». وكانت له والدة وكان من أبرّ النّاس بها ، فقال : «يا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الجنائز باب (٣٨) وانظر المجمع ٣ / ٣٧ والكنز (٤٢٣٧٣).
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير ٤ / ٧٣ ، ٨ / ٣٧٣ قال الهيثمي في الكبير وإسناده حسن وأورده المتقي الهندي في كنز العمال ٣٣٣٧٨ ، ٣٧١٥٩.
(٣) أخرجه أبو داود في الجنائز باب (٣٨) وابن عبد البر في التمهيد ٦ / ٢٧٢.