من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود ، وقد سئل أبو الأسود عمّن نهج له الطريق ، فقال : تلقيته عن علي بن أبي طالب.
وقيل : كان الّذي حداه على ذلك أن ابنته قالت له : يا أبت ، ما أشدّ الحرّ؟ وكان في شدة القيظ. فقال : ما نحن فيه؟ فقالت : إنما أردت أنه شديد. فقال : قولي ما أشدّ ، فعمل باب التعجب.
وروى عمر بن شبّة بإسناد له عن عاصم بن بهدلة ، قال : أول من وضع النحو أبو الأسود ، استأذن زيادا ، وقال له : إن العرب خالطت العجم ، ففسدت ألسنتها ، فلم يأذن له ، حتى جاء رجل (١) فقال : أصلح الله الأمير ، مات أبانا وترك بنون. فقال له زياد : ادع أبا الأسود ، فأذن له حينئذ.
وروى ابن أبي سعد أن سبب ذلك أنه مرّ به فارسي فلحن ، فوضع باب الفاعل والمفعول ، فلما جاء عيسى بن عمر تبع الأبواب ، فهو أول من بلغ الغاية فيه.
ومن لطيف قول أبي الأسود : ليس السّائل (٢) : الملحف خيرا من المانع الحابس.
ومن عجائب أجوبته وبليغها أنه قيل : أبو الأسود ، أظرف النّاس لو لا بخل فيه. فقال :
لا خير في ظرف لا يمسك ما فيه.
ومن محاسن الحكم في شعره :
لا ترسلنّ مقالة مشهورة |
|
لا تستطيع إذا مضت إدراكها |
لا تبدينّ نميمة نبّئتها (٣) |
|
وتحفظنّ من الّذي أنباكها |
[الكامل]
وقوله السائر :
ما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه |
|
وما كلّ مؤت نصحه بلبيب |
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد |
|
فحقّ له من طاعة بنصيب |
قال ابن أبي خيثمة وغيره : مات في الجارف سنة تسع وستين ، وهو ابن خمس وثمانين سنة ، وكذا قال المرزبانيّ. وقال المدائنيّ : يقال : إنه مات قبل الجارف.
قلت : وعلى هذا التقرير يكون قد أدرك من الأيام النبويّة أكثر من عشرين سنة.
__________________
(١) في أ : جاءه.
(٢) في أ : للسائل.
(٣) في أ : أنبئتها ، وفي ج أثبتها.