فتوجّهت به إلى مصر ، فنشأ بها حتى صار عمره اثنتي عشرة سنة. وقيل إنها لم تحض قبل الحمل به إلّا حيضة واحدة.
وذكر وهب أنه لما ولد تكسّرت الأصنام في الشرق والغرب ، واشتهر أمره منذ تكلّم في المهد ، وظهرت على يده الخوارق.
واختلف متى تكلم بعد أن قال في المهد ما قال؟ ففي تفسير مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : لم يتكلم بعد حتى بلغ ما يبلغ الأطفال الكلام ، فنطق بالحكمة.
وذكر أبو حذيفة البخاريّ في «المبتدإ» ، وهو واهي الحديث ، من طريق أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، ومن طريق مكحول ، عن أبي هريرة (١) ، قال : أول ما نطق لسان عيسى به بعد كلامه في المهد أنه مجّد الله تمجيدا لم تسمع الآذان مثله ، وكان كلامه في المهد ، وهو ابن أربعين يوما.
وذكر السّدّيّ بأسانيد عن مشايخه في حديث ذكره أنّ ملكا من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره ، فجاء عيسى ، فدعا الله فأحياه.
وأخرج أبو داود في كتاب «القدر» ، من طريق معمر ، عن الزهري ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : لقي عيسى إبليس ، فقال : أما علمت أنه لن يصيبك إلا ما كتب لك؟ قال : نعم. قال : فارق بذروة هذا الجبل فتردّى منه ، فانظر تعيش أو لا ، قال عيسى : أما علمت أنّ الله قال : لا يجربني عبدي ، فإني أفعل ما شئت؟ لفظ طاوس. وفي رواية الزهري : فقال عيسى إن العبد لا يبتلي ربّه ، لكن الله يبتلي عبده.
وأخرجه من طريق خليد (٢) بن زيد ، عن طاوس. وأخرجه ابن أبي الدنيا من وجه آخر نحوه.
ونشأ عيسى زاهدا في الدنيا لم يتخذ بيتا ولا زوجة ، وكان يسبح في الأرض ، ويتقوّت بما يخرج منها ، ولا يدّخر شيئا ، وكان يخبر الناس بما يأكلون وما يدّخرون ، كما قال الله تعالى ، ويحيى الموتى ، ويخلق الطير ، فقيل هو الخفاش. قيل : كان لا يعيش إلّا يوما واحدا.
وقال وهب : كان يطير بحيث يغيب عن الأعين ، فيقع ميتا ليتميز خلق الله من فعل غيره.
__________________
(١) رضياللهعنه.
(٢) في أ : خليفة.