العمري ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : كان غيلان بن سلمة وفد على كسرى ، فقال له ذات يوم : أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال : الصغير حتى يكبر ، والمريض حتى يبرأ ، والغائب حتى يقدم (١) ، فاستحسن ذلك من قوله ، ثم قال له : ما غذاؤك في بلدك؟ قال : خبز البر. قال : عجبت لك هذا العقل.
قال الكرانيّ ، عن العمري : وقد روى الهيثم بن عدي هذه القصة أبين من هذه ، وساقه بطوله ، وفيها : كان أبو سفيان في نفر من قريش ومن ثقيف فوجّهوا بتجارة إلى العراق ، فقال لهم أبو سفيان : إنا نقدم على ملك جبّار لم يأذن لنا في دخول بلاده ، فأعدّوا له جوابا. فقال غيلان : أنا أكفيكم على أن يكون نصف الربح لي. قالوا : نعم ، فتقدم إلى كسرى ، وكان جميلا ، فقال له الترجمان : يقول لك الملك : كيف قدمتم بلادي بغير إذني؟ فقال : لسنا من أهل عداوتك ، ولا تجسّسنا عليك ، وإنما جئنا بتجارة ، فإن صلحت لك فخذها وإلا فائذن لنا في بيعها ، وإن شئت رجعنا بها قال : وسمعت صوت الملك فسجدت ، فقيل له : لم سجدت؟ قال : سمعت صوت الملك حيث لا ينبغي أن ترفع الأصوات.
فأعجب كسرى ، وأمر أن توضع تحته مرفقة ، فرأى عليها صورة كسرى ، فوضعها على رأسه ، فقيل له : لم فعلت ذلك؟ قال : رأيت عليها صورة الملك فأجللتها أن أجلس عليها ، فاستحسن ذلك أيضا ، ثم قال له : ألك ولد؟ قال : نعم. قال : فأيّهم أحبّ إليك؟ قال : الصغير حتى يكبر ، والمريض حتى يبرأ ، والغائب حتى يقدم. قال : أنت حكيم من قوم لا حكمة فيهم ، وأحسن إليه.
وذكرها أبو هلال العسكريّ في «كتاب الأوائل» بغير إسناد أطول مما هنا ، فقال : خرج أبو سفيان بن حرب في جمع من قريش وثقيف يريدون بلاد كسرى بتجارة لهم ، فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان ، فقال : إنا في سيرنا (٢) هذا لعلى خطر ما قدومنا على ملك لم يأذن لنا بالقدوم عليه؟ وليست بلاده لنا بمتجر ، فأيكم يذهب بالعير. فنحن برآء من دمه إن أصيب ، وإن يغنم فله نصف الربح. فقال غيلان بن سلمة : أنا أمضي بالعير ، وأنشده :
فلو رآني أبو غيلان إذ حسرت |
|
عنّي الأمور بأمر ما له طبق |
لقال رغب ورهب أنت بينهما |
|
حبّ الحياة وهول النّفس والشّفق |
إمّا مشفّ على مجد ومكرمة |
|
أو أسوة لك فيمن يهلك الورق (٣) |
[البسيط]
__________________
(١) في الاستيعاب : حتى يئوب.
(٢) في أ : مسيرنا.
(٣) انظر الأبيات في تاريخ الطبري ٦ / ١٠٧.