وتحصّن سليمان بن جامع بمكان ، وتحصّن الشّعرانيّ بمكان آخر. فسار أبو العبّاس وحاصر الشّعرانيّ ، وجرت بينهم حروب صعبة ، إلى أن انهزمت الزّنج ، ورجع أبو العبّاس بجيوشه سالما غانما. وكان أكثر قتالهم في المراكب والسّماريّات ، وغرق من الزّنج خلق سوى من قتل وأسر.
ثمّ سار الموفّق من بغداد في جيشه في السّفن والسّماريّات في هيئة لم ير مثلها إلى واسط. فتلقّاه ولده أبو العبّاس ، ثمّ سارا إلى قتال الزّنج ليستأصلوهم ، فواقعهم ، فانهزم الزّنج واستنقذ منهم من المسلمات نحو خمسة آلاف امرأة (١) ، وهدمت مدينة الشّعرانيّ (٢) [فهرب] (٣) في نفر يسير مسلوبا من الأهل والمال ، ووصل إلى المذار ، فكتب إلى الخبيث سلطان الزّنج بما جرى ، فتردّد الخبيث إلى الخلاء مرارا في ساعة ، ورجف قوّاده وتقطّعت كبده ، وأيقن بالهلاك.
ثمّ إنّ الموفّق سأل عن أصحاب الخبيث ، فقيل له : معظمهم مع سليمان بن جامع في بلد طهيثا (٤) ، فسار الموفّق إليها ، وزحف عليها بجنوده ، فالتقاه سليمان بن جامع وأحمد بن مهديّ الجبّائي في جموع الزّنج ، ورتّب الكمناء واستحرّ القتال ، فرمى أبو العبّاس بن الموفّق لأحمد بن مهديّ بسهم في وجهه هلك منه بعد أيّام. وكان أبو العباس راميا مذكورا (٥).
ثمّ أصبح الموفّق على القتال ، وصلّى وابتهل إلى الله بالدّعاء ، وزحف على البلدة ، وكان عليه خمسة أسوار ، فما كانت إلّا ساعة وانهزمت الزّنج ، وعمل فيهم السّيف ، وغرق أكثرهم. وهرب سليمان بن جامع (٦).
واستنقذ الموفّق من طهيثا نحو عشرة آلاف (٧) أسير ، فسيّرهنّ إلى واسط ،
__________________
(١) العيون والحدائق ج ٤ ق ١ / ٩٣ ، الكامل في التاريخ ٧ / ٣٤٤ ، نهاية الأرب ٢٥ / ١٤٦ ، البداية والنهاية ١١ / ٤٠.
(٢) التي سمّاها «المنيعة». (العيون والحدائق ج ٤ ق ١ / ٩٢).
(٣) ساقطة من الأصل.
(٤) في الكامل في التاريخ ٧ / ٣٤٥ «طهثا» ، والمثبت يتفق مع الطبري وغيره.
(٥) العيون والحدائق ج ٤ ق ٩١.
(٦) العيون والحدائق ج ٤ ق ١ / ٩٤ ، ٩٥.
(٧) في الكامل في التاريخ ٧ / ٣٤٧ «أكثر من عشرين ألفا».