قال أحمد بن يوسف الكاتب : خرج أحمد بن طولون من مصر ، وحمل معه ابنه العبّاس معتقلا ، فقدم دمشق ، وخرج المعتمد من سامرّاء على وجه التّنزّه ، وقصده دمشق لاتّفاق جرى بينه وبين ابن طولون ، فلمّا بلغ ذلك الموفّق كتب إلى إسحاق بن كنداج يقول : متى استولى ابن طولون على المعتمد لم يبق منكم معشر الموالي اثنان (١). فاجتهد في ردّه.
وكان ابن كنداج في نصيبين في أربعة آلاف ، فصار إلى الموصل ، فوجد حرّاقات المعتمد وقوّاده بموضع يقال له الدّواليب ، فوكّل بهم هناك ، وسار فلقي المعتمد بين الموصل والحديثة ، فخرج إليه نحرير الخادم ، وسلّم عليه واستأذن فأذن له ، فدخل ابن كنداج ومعه ابنه محمد وجماعة يسيرة ، فسلّم ووقف ، وقال : يا إسحاق لم منعت الحشم من الدّخول إلى الموصل؟ وكان ينزلها أحمد بن خاقان وخطارمش ، فقال : يا أمير المؤمنين أخوك في وجه العدوّ ، وأنت تخرج عن مستقرّك ودار ملكك ، ومتى صحّ عنده هذا رجع عن مقاومة الخارجيّ ، فيغلب عدوّك على دار آبائك. وهذا كتاب أخيك يأمرنا بردّك.
فقال : أنت غلامي أو غلامه؟
فقال : كلّنا غلمانك ما أطعت الله ، فإذا عصيته فلا طاعة لك وقد عصيت الله فيما فعلت من خروجك ، وتسليط عدوّك على المسلمين. ثمّ خرج من المضرب ووكّل به جماعة. ثمّ بعث إلى المعتمد يطلب ابن خاقان وخطارمش ليناظرهما. فبعث بهما إليه فقال : ما جنى أحد على الإسلام والخليفة ما جنيتم ، فلم أخرجتموه من دار ملكه في عدّة يسيرة ، وهارون الشّاري بإزائكم في جمع كبير؟ فلو حضركم وأخذ الخليفة لكان عارا وسبّة على الإسلام. ثمّ رسّم عليهم ، وبعث إلى الخليفة يقول : ما هذا المقام ، فارجع.
فقال المعتمد : فاحلف لي أنّك تنحدر معي ولا تسلّمني.
فحلف له ، وانحدر إلى سامرّاء ، فتلقّاه صاعد بن مخلد كاتب الموفّق ، فسلّمه إسحاق إليه ، فأنزله في دار أحمد بن الخصيب ، ومنعه من نزول دار الخلافة ، ووكّل به خمسمائة رجل يمنعون من الدّخول إليه (٢).
__________________
(١) في الأصل : «اثنين».
(٢) تاريخ الطبري ٩ / ٦٢٠ ، ٦٢١ ، وانظر : العيون والحدائق ج ٤ ق ١ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، والكامل