فخرجت ، فإذا النّاس يهرعون ، إلى أن أتينا دار أبي طاهر سليمان القرمطيّ ، فإذا بغلام حسن الوجه ، درّيّ اللّون ، خفيف العارضين ، له نحو عشرين سنة ، وعليه عمامة صفراء تعميم العجم ، وعليه ثوب أصفر ، وفي وسطه منديل وهو راكب فرسا شهبا (١) ، والنّاس قيام ، وأبو طاهر القرمطيّ وإخوته حوله. فصاح أبو طاهر بأعلى (٢) صوته : يا معشر النّاس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو طاهر سليمان بن الحسن. اعلموا أنّا كنّا وإيّاكم حمير ، وقد منّ الله علينا بهذا ، وأشار إلى الغلام ، هذا ربّي وربّكم ، وإلهي وإلهكم ، وكلّنا عباده والأمر إليه ، وهو يملكنا كلّنا.
ثمّ أخذ هو والجماعة التّراب ، ووضعوه على رءوسهم ، ثمّ قال أبو طاهر :
اعلموا يا معشر النّاس ، إنّ الدّين قد ظهر ، وهو دين أبينا آدم ، وكلّ دين كنّا عليه فهو باطل. وجميع ما توصّلت به الدّعاة إليكم فهو باطل وزور من ذكر موسى ، وعيسى ، ومحمد. إنّما الدّين دين آدم الأوّل ، وهؤلاء كلّهم دجّالون محتالون فالعنوهم. فلعنهم النّاس.
وكان أبو الفضل المجوسيّ ، يعني الغلام الأمرد ، قد سنّ لهم اللّواط ونكاح الأخوات ، وأمر بقتل الأمرد الممتنع. وكان أبو طاهر يطوف هو والنّاس عراة به ويقولون : إلهنا عزوجل.
قال ابن حمدان الطّبيب : أدخلت على أبي الفضل فوجدت بين يديه أطباقا عليها رءوس جماعة ، فسجدت له كعادتهم والنّاس حوله قيام وفيهم أبو طاهر ، فقال لأبي طاهر : إنّ الملوك لم تزل تعدّ الرءوس في خزائنها فسلوه ، وأشار إليّ ، كيف الحيلة في بقائها بغير تغيير؟
فسألني أبو طاهر فقلت : إلهنا أعلم ، ويعلم أنّ هذا الأمر ما علمته. ولكن أقول على التّقدير إنّ جملة الإنسان إذا مات يحتاج إلى كذا وكذا صبر وكافور. والرّأس جزء من الإنسان ، فيؤخذ بحسابه. فقال أبو الفضل : ما أحسن ما قال.
قال ابن حمدان : وما زلت أسمع النّاس تلك الأيام يلعنون إبراهيم ،
__________________
(١) في الهامش : ث. اسمه أبو الفضل المجوسي.
(٢) في الأصل : بأعلى.