الإنشاء في أيّام المنصور (١) بن أبي عامر.
وقال الثّعالبيّ (٢) : كان بصقع الأندلس كالمتنبّي بصقع الشّام.
ومن شعره :
أضاء لها فجر النّهى فنهاها |
|
عن الدّنف (٣) المضنى بحرّ هواها |
وضلّلها صبح جلا ليلة الدّجا (٤) |
|
وقد كان يهديها إليّ دجاها (٥) |
وفي أوّل شأنه عمل هذه القصيدة ، ومدح بها المنصور. فتكلّموا فيه واتّهموه بسرقة الشّعر ، فقال في المجلس لوقته :
حسبي رضاك من الدّهر الّذي عتبا |
|
وعطف نعماك للحظّ الّذي انقلبا |
ولست أوّل من أعيت بدائعه |
|
فاستدعت القول ممّن ظنّ أو حسبا |
إنّ إمرأ القيس في بعض لمّتهم |
|
وفي يديه لواء الشّعر «إن ركبا» (٦) |
والشّعر قد أسر الأعشى وقيّده |
|
دهرا ، وقد قيل : «والأعشى إذا شربا» (٧) |
وكيف أظمأ وبحري زاخر قطنا (٨) |
|
إلى خيال من الضّحضاح قد نضبا |
عبد لنعماك فكّيه نجم هدى |
|
سار بمدحك (٩) يجلو الشّكّ والرّيبا |
إن شئت أملى بديع الشّعر أو كتبا |
|
أو شئت خاطب بالمنثور أو خطبا |
__________________
(١) هو : محمد بن أبي عامر المعافري. (انظر عنه : المغرب ١٩٩ رقم ١٢٨).
(٢) في (يتيمة الدهر ٢ / ٩٠).
(٣) في (النجوم الزاهرة) : «المدنف».
(٤) هكذا في الأصل.
(٥) البيتان قالهما القسطليّ معارضا قصيدة أبي العلاء صاعد بن الحسن اللغوي. قال الحميدي :
وهي طويلة مستحسنة ، فساء الظنّ بجودة ما أتى به من الشعر وأتّهم فيه ، وكان للشعراء في أيام المنصور [بن] أبي عامر ديوان يرزقون منه على مراتبهم ، ولا يخلون بالخدمة بالشعر في مظانّها ، فسعى به إلى المنصور ، وأنه مستحلّ سارق لا يستحق أن يثّبت في ديوان العطاء ، فاستحضره المنصور عشيّ يوم الخميس لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة واختبره ، واقترح عليه ، فبرّز وسبق ، وزالت التهمة عنه ، فوصله بمائة دينار ، وأجرى عليه الرزق ، وأثبته في جملة الشعراء. ثم لم يزل يشهر ويجوّد شعره فيما بعد. (جذوة المقتبس ١١١) وانظر : (بغية الملتمس ١٥٩ ، والنجوم الزاهرة ٣ / ٢٧٣).
(٦) انظر (العمدة لابن رشيق القيرواني ١ / ٧٨).
(٧) انظر (العمدة) ، وفي (بغية الملتمس ١٥٩) : «إذا سربا» بالسين المهملة.
(٨) في بغية الملتمس ١٥٩ : «وظما».
(٩) في : جذوة المقتبس ١١٢ : «لمدحك» ، والمثبت يتفق مع (بغية الملتمس ١٦٠).